أكثر من سبعين مرشحاً إلى الانتخابات العامة، من 11 لائحة لقوى التغيير في 11 دائرة من أصل 15، أدانوا الاعتداء الآثم الذي طال المشاركين في إطلاق لائحة المعارضة التشرينية، «معاً للتغيير»، في دائرة صور - الزهراني. هي الدائرة التي يترأس فيها نبيه بري لائحة الثنائي المذهبي، «أمل» و«حزب الله»، وترتدي أهمية كونها كذلك الدائرة التي يقترع فيها حسن نصر الله شخصياً!

الاعتداء الفج في الشكل والمضمون، الذي حدث على مرأى ومسمع القوى العسكرية التي اكتفت بالمراقبة وأخذ العلم (...) فتح أعين اللبنانيين على مخاطر حقيقية تهدد العملية الانتخابية برمتها. كما احتل صدارة اهتمام الجهات الخارجية التي تقول إن نزاهة الانتخابات تهمها، فبدا من اللحظة الأولى أن هذه البلطجة أضرت بصورة الثنائي المذهبي، عندما منحت الانتخابات في هذه المنطقة بعداً وطنياً لافتاً ووضوحاً كانوا يريدون تغييبه، بعد أشهر من الترويج أنْ لا منافسة، فسارع فريق رئيس البرلمان للتبرؤ! وأعلنت الكتلة النيابية للرئيس بري أنها «برئيسها وأعضائها» وما يمثلون «يرفعون الغطاء عن أي مسيء ويؤكدون أن ما حصل بات بعهدة القضاء»، فشكل ذلك سابقة اضطرتهم للاعتراف بأن المعتدين هم من أتباعهم، مع التنبيه إلى أن التدخل السياسي والضغط على القضاء سيحول دون أي محاسبة ولن تكون هناك متابعة جدية.

لكن الحدث قرع جرس إنذار بأن «حزب الله» وحركة «أمل» لن يتورعا عن محاولات منع أي نشاطٍ انتخابي منافس، فقد هالهما تجرؤ قوى جديدة منبثقة من «17 تشرين»، على خوض الانتخابات في مواجهتهما في دوائر عملت الدعاية الحزبية والتحريض الطائفي على ضخ الأخبار المضخمة بأن الأمور هناك محسومة لـ«حزب الله» وأتباعه! لذلك شددت قوى التغيير في الجنوب، على أن التعديات لن ترهب معارضة تحدت القمع قبل وبعد «17 تشرين»، وما من قوة بوسعها «خنق الصوت المعارض وحرية الرأي وقمع العمل السياسي الديمقراطي»، محملة السلطة والجيش والقوى الأمنية المسؤولية عن حماية الحريات، وحماية حقوق المواطنين السلميين في ممارسة حقهم الانتخابي.

الموقف الوطني الموحد للوائح التغيير، بوصفه معركة الجنوب بالمواجهة الوطنية، التي تستدعي حثّ اللبنانيين على الدفاع عن حقوقهم، والحذر من نوايا «أحزاب السلطة وعلى رأسها (حزب الله) وحركة (أمل) منع أي نشاطٍ انتخابي ديمقراطي في مناطق نفوذها»... كل ذلك أكد على إيجابية كبرى لم تتوفر للبنانيين في أي مرحلة سابقة، هي وجود خيار آخر، ويمكن للبنانيين المتمسكين بالحيّز المتبقي من الديمقراطية أن يفرضوا تغييراً في الواقع التمثيلي. خيار آخر، تعبر عنه وجوه تشبه الناس، طالعة من وجع اللبنانيين وطوقهم للعدالة ولاستعادة الحقوق وحماية الكرامات، من دون إغفال قدرات المتسلطين ومحاولاتهم كتم الأنفاس وكم الأفواه، وتهديد لقمة العيش، لمنع بلورة الاعتراض وصولاً إلى التيئيس، إلى مضاعفتهم التدخل بالمال السياسي بوهم القدرة على مسح الحيّز المتبقي من الديمقراطية.

أظهر الاعتداء، أن الجهود الجدية للقوى المنبثقة من ثورة «17 تشرين»، نجحت في بلورة لوائح موحدة بوجه قوى نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي، الذي يقوده «حزب الله». كما انفضحت المزاعم عن غياب قوائم رئيسية لقوى التغيير، رغم الترويج المضخم لظواهر عبّرت عنها شبه لوائح، ضمت مرة «أصحاب»، وثانية حالات أفرزها وجود متسلقين وصيادي فرص، فيما بعضها الآخر مجرد واجهات معزولة لـ«حزب الله» وأشباهه أُريد منها التشويش بغية تشتيت الأصوات.

لقد توحدت لوائح التغيير حول عناوين برنامجية بلورتها ثورة «17 تشرين»، وأبرزها استعادة الدولة المخطوفة بالسلاح والتمسك بالدستور. كما حماية القضاء وهو حجر الرحى في معركة إيجاد سلطة بديلة تضمن العدالة في جريمة تفجير المرفأ، ومحاسبة قضائية شفافة في مسائل الفساد والمنهبة التي طالت المال العام والودائع، واستعادة حقوق المواطنين وموقع لبنان ودوره. لكن كل ذلك يبقى رهن التصويت العقابي من جانب الأكثرية المتضررة، وإن توفر سيكسر الكثير من قيود التسلط والهيمنة، ويفتح طريق استعادة الجمهورية الحديثة وقيمها، فتتأمن الشروط لتسوية حقيقية من نوع آخر، تضمن سيادة غير منقوصة وحصر السلاح والقرار بيد الدولة. لا يقع كل ذلك في خانة الأحلام، بل هو اليوم محور مهام القوى الجديدة الموحدة والفاعلة من عكار شمالاً إلى الجنوب، ومن بيروت إلى الأقضية الشمالية والشوف وعالية والبقاع وغيرها... تواجه قوى التغيير قوى شمولية طائفية، ارتهنت البلد وتسببت في دمار كل البِنى الرئيسية التي ميزته، فحاصرت أهله بالفقر الذي طال 83 في المائة، وقضت على الطبقة الوسطى التي كانت عنوان الازدهار والاستقرار، وفقد الرغيف وحبة الدواء وتعممت العتمة وشمل الخراب التعليم والسياحة، وبات متعذراً الحصول على جواز سفر... وبالتأكيد الأيام الـ25 المتبقية على موعد الانتخابات حاسمة بكل المعايير.

لا أولوية تتقدم حث الناخبين على ممارسة حقهم بالاقتراع. المتردد أو من يفكر في الامتناع هو ضد منظومة القتل المتسلطة، وصاحب مصلحة بالتغيير، ولا بديل عن تفهم هواجسه وتبديد مخاوفه كي يمنح صوته التفضيلي لأي مرشح يرى أنه الأقرب إلى تطلعاته. الجهود التي تبذل في المناطق، كما مع المغتربين، لتحقيق تصويت عقابي، تشي بأن برلمان 2022 لن يكون كما يروجون، رغم الترهيب والرشى والتزوير المتوقع، والتأثير السلبي للقانون الذي مذهب الانتخابات وجوّف النسبية، عندما ابتدع عتبة تحددها قسمة عدد الأصوات على عدد مقاعد الدائرة!

لنتذكر مرة أخرى، تتعامل قوى التغيير مع الانتخابات بوصفها محطة مهمة. وتعرف أن الاستهداف خطير ويطال الكيان والهوية، والمواجهة بين محورين: محور قوى التغيير وهمّها استعادة البلد والقرار الوطني للبنانيين، ومحور «حزب الله» الساعي إلى تكريس اختطاف الدولة ومصادرة الشرعية وإلحاق لبنان نهائياً بدولة «إيران الكبرى»! ولقد نجحت القوى الجديدة في تقديم الخيار الحقيقي الإنقاذي للبنانيين.

هاجس «حزب الله» الممسك بالسلطة تعزيز أكثريته، ويخوض نصر الله شخصياً معركة تركيب اللوائح وترتيب خلافات وخصومات أتباعه. بالمقابل لا أوهام لدى القوى الجديدة، التي تعرف أن فوز كوكبة من النواب التغييريين من شأنه أن يبدل المشهد السياسي، ويجعل من مسألة قيام حكومة مستقلة أمراً قريباً من الواقع، فتستعاد الحياة السياسية والتشريعية ودور البرلمان في المراقبة والمساءلة والمحاسبة. وبالتوازي يوفر دخول نواب تغييريين إلى البرلمان، الجسر الضروري لإقامة الجبهة السياسية التي يناط بها بلورة البديل. وفي هذا السياق فإن القوى التشرينية تمد اليد لكل تعاون إنقاذي للبلد، مع رفضها القاطع أن تكون مطية لجهات تذكرت متأخرة السيادة، وهاجسها ضمان أولويتها في التوريث العائلي أو الحزبي الطائفي.