تأليف بلا تصنيف، وتحكيم بلا معيار نقدي، وسيل من المؤلفات لمن أراد أن يطلق العنان لخواطره في شكل من المنولوجات والأحاديث الداخلية النفسية ثم أطلقوا عليها مسمى (مونودراما). وصفّت المؤلفات على أرفف المكتبات، واتخذها المخرجون عروضاً، وبعضها نال الجوائز، ليس لجودة النص وإنما لغياب المعيار النقدي الذي يقاس عليه العمل الدرامي بمعايير معينة علمية وأكاديمية، كما نخضع النص المسرحي العادي والذي له قوانين ومدارس مختلفة يقاس عليها العمل.

يمكننا القول إن تجاهل الاجتهاد في دراسة هذا الصنف من صنوف المسرح ليس دراسة بحثية فيما يقدم، وإنما نخضعه للعمل الأكاديمي المعياري في ظل وجود تعريف للمصطلح يتَّبع في مثل هذه الأعمال، فإذا ما أردنا أن نطلق على المونودراما بأنه نص مسرحي، فلا بد من اتباع قواعد النص المسرحي والذي له تعريفاته وبنود قوانينه وقوالبه، ومن أهم هذه القواعد -للنص المسرحي- الفعل الدرامي الذي يفجر الصراع، والفعل لا يكون إلا فعلاً لا قولاً أو سرداً كما يرِد في الرواية والقصة وحتى الشعر.

لندلف إلى عالم الرواية، وإذا كان كذلك فسنجد أنها تتحدث عن فعل (كان)، أي أن الأفعال برمتها فيها وفي جميع الأعمال الدرامية (رواية، قصة، فيلم.. إلخ) تأتي في الماضي، ما عدا العمل المسرحي لأنه يتمتع بخاصية (هنا والآن)، أي أن كل ما جرى أمامنا هو فعل آني حي مباشر وحيوي أيضاً، لأنه يعتمد لغة الحوار الحي المباشر مع شخصيات العمل الدرامي، واللاتي يتفتق بهن الصراع ويتطور، ومن هنا نجد أن الصراع في العمل المسرحي بارز وحي ومقلق ومتمتع بخاصية (أفق الانتظار) التي تخلق التوتر الدائم والبحث عن إجابات طيلة العرض الذي بها ينتهي العرض المسرحي ويسدل الستار.

وإذا ما دلفنا إلى عالم المونودراما كمصنف درامي فسنجده يقع (بين، بين)، بين الرواية والمسرح! يأخذ من الرواية السرد فينحو إلى الماضي وعوالم (كان)، وبهذا يبتعد عن المسرح، فيكون للرواية أقرب، كما أن عدم وجود الحوار في النص المونودرامي يفقد انتماءه للجسد المسرحي الذي من أهم شروطه الحوار. ثم إن الكثير من الكتاب يكتبونها وكأنها أحاديث نفس تجتر الذكريات، ثم يحتالون على النص بوضعه في مشاهد وإرشادات ومناظر، وهو هنا وفي هذه الحالة أقرب إلى الهذيانات النفسية المريضة بلا بنية درامية ولا مصطلح، تجعل المحكمين يضعون أيديهم على مكامن الخلل في قواعد اللعبة.

إن التعريف اللغوي للمونودراما يتكون من مقطعين: الصدر «مونو» وهي كلمة يونانية تعني: واحد، وعجزها مكون من كلمة «دراما»، وهي كلمة يونانية مشتقة من «درآؤن» وتعني الفعل. وبهذا اتخذت صفتها في اللغة العربية والإنجليزية (دراما الفاعل الواحد).

وهذا المعنى اللغوي لا يفي بمقتضيات الصفات المميزة للمونودراما، وذلك لأن هناك فعلاً واحداً قد تلعبه عدة شخصيات، أو شخصية واحدة تلعب أفعالاً عدة، على غرار مسرحية «مازالت اللعبة مستمرة» تأليف د. مصطفى يوسف وإخرج أشرف عزب، ومسرحية «المسخ» من تأليف كاتبة هذه السطور، والتي قدمت على مسرح الشباب بالقاهرة للمخرج نفسه، وفي مسرحية «دموع البحيرة» والذي قام فيها المخرج بتفتيت الفعل والشخصية الواحدة إلى عدة شخصيات تحمل الاسم نفسه. كما أن مفردة المونودراما monodrama جاء ذكرها في قاموس دار المعارف المصري

A dramatic piece for one performer only. وتعني حرفياً قطعة درامية لمؤدٍ واحد أو ممثل واحد.

وإذا ما اعتمدنا بأن المونودراما مسرحية الفعل الواحد فهذا بالضرورة لا ينطبق على المفهوم الذائع للمونودراما، إذ إنه جاء في دائرة المعارف البريطانية أن «المونودراما -من ناحية المفهوم اللغوي لها- تعني فعلاً أو أداء أو صنيعاً واحداً، منفرداً بذاته سواء قدمه شخص واحد أو أشخاص عدة».

وبهذا ينشأ تساؤل وهو: كيف تكون المونودراما ذات الفعل الواحد وتقدمه عدة شخصيات، فهذا النمط قد قدمه المخرج المذكور أعلاه في مسرحياته التعبيرية دونما أن تكون مسرحية مونودرامية. كما أن هناك تعريفاً في دائرة المعارف البريطانية يقول: «المونودراما هي التي تُمثل أو مصممة لكي تمثُل بواسطة شخص واحد». وهناك عدد من المسرحيات بما فيها مسرحية شريط كراب الأخير Krapp›s Last Tape والتي مثلت سنة 1958، ومسرحية الأيام السعيدة Happy Days سنة 1961 من تأليف ساميول بيكيت Samuel Beckett، وهذه المسرحيات تعتبر من نوع المونودراما. وهذا المصطلح قد يشير أيضاً للتمثيل الدرامي لما يدور في عقل الإنسان الفرد، والدراما الموسيقية التي يؤديها مؤدٍ بمفرده أمام المشاهدين أيضاً.

ومن هنا يكون حتماً أن تمثل الشخصية أو عدة شخصيات من قبل ممثل واحد، فالفعل هنا لم يكن هو المنوط بالتسمية أو الركيزة الأولى لذلك، لأن الشخصية اللاعبة الواحدة تمثل عدة شخصيات، ولكل من هذه الشخصيات أفعالها المتعددة، مع العلم أن الشخصية الرئيسة تلعب الفعل الدرامي الرئيس، وعادة ما تقوم المسرحيات جميعاً على الفعل الواحد كما عرفها أرسطو وهو الفعل المحوري، فكلمة فعل الواحد تعني: الفعل المحوري لأي عمل درامي تتضافر معه جميع الأفعال المساعدة في البناء الدرامي وليس خاصاً بالمونودراما ذاتها ليميزها عن غيرها، فإذا ما أردنا إدخال هذا النوع من الدراما في دائرة المسرح توجب وجود نوع من الحوار الذي هو خاصية المسرح الفاعلة. ومن هنا فقد عملت على بحث أكاديمي مطول نشر في مجلة «مسرحنا» في ثلاثة أعداد متتالية، كي أخرج بمصطلح للقياس على العمل عند الحكم عليه، كما سبق وأن قدمته في مهرجان الفجيرة للمونودراما، وهذا التعريف هو: «المونودراما: محاكاة لفعل درامي محدد له طول معين لشخصية واحدة أو عدة شخصيات، يقدمها ممثل واحد مستعرضاً أزمة الشخصية تجاه نفسها أو تجاه الآخرين من خلال المناجاة والجانبية والحوار مع شخصيات افتراضية أو مع الجمهور ومشفوعاً بألوان التزين الفني».