لماذا استعجلت إيران الدعوة إلى اجتماع جديد وحضوري في «أسرع وقت ممكن»، كما أعلن المتحدث باسم خارجيتها، سعيد خطيب زاده، يوم الاثنين، من دون أن يوضح على أي مستوى سيتم، وما هو المطروح على جدول الأعمال، وفي الوقت عينه بدا أن إدارة الرئيس جو بايدن تجهد في تقديم مزيد من التبريرات حول ضرورة التوصل إلى هذا الاتفاق لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية، في وقت تبدو فيه مفاوضات فيينا عالقة عند إصرار إيران على رفع «الحرس الثوري» عن «لائحة الإرهاب»، وهو ما لا يبدو أن الرئيس بايدن متعجل أو قابل به، مع ازدياد المعارضة الداخلية في الولايات لهذا الأمر؛ سواء في أوساط العسكريين أو في أوساط «الكونغرس»، حيث انضم عدد كبير من الديمقراطيين إلى الجمهوريين في رفضهم المطلق لهذا الأمر!
هل تخشى إدارة بايدن من تصاعد المعارضة الداخلية لتهافته على وعده بالعودة إلى الاتفاق مع طهران، ولهذا لم يتردد وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، قبل أيام، في الوقوف أمام لجنة الشؤون الخارجية ليعلن أن التوصل إلى اتفاق أفضل سبيل لمنعها من امتلاك قنبلة نووية: «ما زلنا نعتقد أن أفضل سبيل لمنع إيران من العودة إلى حيازة القنبلة ولمنعها من التصرف بعدوانية كبيرة هو العودة إلى الاتفاق»؟ ولكن كيف يمكن أن تنعكس معارضة هذا التوجه على نتائج الانتخابات النصفية في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل؟
وهنا بدا بلينكن وكأنه يعلن العجز ويبيع تاريخ العلاقات الأميركية مع حلفائها في الشرق الأوسط والخليج بشحطة قلم أو بتوقيع واهم، عندما قال: «لقد جربنا الانسحاب من الاتفاق ومحاولة ممارسة الضغط على طهران ورأينا النتيجة»، مكرراً الكلام عن التوقيتات المعروفة حول حاجة إيران إلى أسابيع لامتلاك القنبلة، فيما كانت المدة تزيد على عام قبل إلغائه عام 2018. وأسوأ من ذلك، اعترف بأن العيوب التي تشوب اتفاقاً لا يواجه النشاطات السيئة الإيرانية الأخرى لإيران، مثل تدخلها بالنزاعات في الشرق الأوسط، ستكون أفضل للمسألة النووية، وبهذا يكون بايدن مستعداً للتخلي عن كل تحالفات أميركا التاريخية مع دول المنطقة العربية والخليجية، وكذلك عن كل شروطه التي طرحها على طاولة فيينا، في مارس (آذار) الماضي، من أنه يريد اتفاقاً جديداً موسعاً يشمل موضوع تطوير الصواريخ الباليستية وتدخلاتها المزعزعة في دول المنطقة.
في السياق عينه، وفي حديث إلى «العربية»، في 26 أبريل (نيسان)، كررت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، نظرية اتهام إيران بالعمل على تسريع برنامجها النووي، ولكنها اعتبرت هذا أحد الأسباب التي دعت واشنطن للعودة إلى الاتفاق والمسار الدبلوماسي، ولكن ألا تبدو هذه من الترهات بعد مرور عام ونيف على بدء مفاوضات فيينا، التي كان واضحاً دائماً أن إيران تتصرف فيها لتكسب الوقت وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم، وزيادة تدخلاتها المزعزعة لاستقرار المنطقة؛ من اليمن عبر الحوثيين إلى العراق، ومحاولة تخريب نتائج انتخاباتهم الأخيرة، إلى سوريا حيث تواصل ترسيخ أقدامها، إلى لبنان الذي تعمل لتدمير علاقاته التاريخية مع الدول الخليجية والعربية، وحتى إلى المغرب، كما أشارت الأنباء أخيراً؟
والغريب أن يستعجل بايدن الاتفاق بأي ثمن قبل الانتخابات النصفية طبعاً، وتسوّق إدارته حججاً ومبررات، متجاهلة مثلاً تصريحات مفاجئة لنائب الرئيس الإيراني السابق، علي مطهري، التي أدلى بها، عن أن بلاده كانت منذ البداية تنوي إنتاج قنبلة نووية بغية امتلاك «قوة ردع»، لكنها فشلت في الحفاظ على السرية وانكشف أمرها، وقال نجل منظّر الثورة، آية الله مرتضى مطهري، يوم الأحد الماضي، إن «الشريعة تمنعنا من استعمال القنبلة، وليس من إنتاجها، ومنذ البداية كان الهدف إنتاج القنبلة وتقوية قوات الردع، لكن لم يمكن الحفاظ على سرية هذه القضية، وتم الكشف عن التقارير السرية عبر جماعة (مجاهدين خلق)».
ولمعلومات بايدن، يقول مطهري إن البلد الذي يريد استخدام الطاقة النووية السلمية، لا يبدأ بتخصيب اليورانيوم إطلاقاً، بل ينشئ مفاعلاً أولاً ثم ينتقل إلى مجال التخصيب، وسبق أن أكد الرئيس الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، أن إيران فكرت في إنتاج قنبلة نووية خلال الحرب مع العراق، ويجب ألا يخفى على بايدن وإدارته أن عدة حكومات غربية والهيئة الدولية للطاقة الذرية تتهم إيران بأنها تمتنع، منذ زمن، عن تقديم إيضاحات بشأن مواقع مشبوهة عثر فيها على آثار يورانيوم.
بالعودة إلى مأزق بايدن النووي الداخلي، وهو الأهم، تقول «واشنطن بوست»، نقلاً عن مسؤول أميركي، إن كل شيء في المفاوضات متوقف، وإن طلب إيران من الولايات المتحدة رفع تصنيف «الحرس الثوري» من قائمة التنظيمات الإرهابية، ورفض بايدن «هذا القرار الصعب»، حتى الآن، وعدم القيام به، أدى إلى توقف المفاوضات، ومن الواضح أن بايدن يواجه اعتراضات كبيرة ومتنامية من «الكونغرس» الأميركي ومن الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بعد انضمام ديمقراطيين إلى رفض هذا الأمر الذي يعطي إيران موارد مالية مجانية لتجديد سياستها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، ويهدد أمن القوات الأميركية.
أما على المستوى العسكري، فيبدو الموقف أشد؛ ففي حفل تسليم قيادة المنطقة الوسطى (سينتكوم)، وهي المكان الذي «نحمي فيه التجارة العالمية»، كما ذكر وزير الدفاع لويد أوستن، إلى الجنرال مايكل ماكويلا، بدلاً من الجنرال كينيث ماكينزي، الذي أُحيل إلى التقاعد، قال أوستن إن «المنطقة الوسطى هي المنطقة التي نحارب فيها الإرهابيين الذين يهددون مواطنينا، والمكان الذي نعمل فيه مع شركائنا لمواجهة عدم الاستقرار من إيران ووكلائها... إن (القيادة المركزية الوسطى) أمر أساسي لأمننا وأساسية لاستعدادنا ولتنفيذ مهمتنا. إن (البنتاغون) يرفض التذبذب مع الشركاء».
واعتبر أوستن أن «شراكات أميركا في المنطقة بالغة الأهمية ونركز عليها»، واعتبر كلامه عن إيران ودورها المزعزع للاستقرار في المنطقة مؤشراً واضحاً على تحفظ العسكريين في «البنتاغون» على السياسات المتّبَعة مع إيران والصعوبات التي تواجهها إدارة بايدن في تسويق العودة إلى اتفاق نووي معها، في ظل استبعاد مناقشة كل برنامجها الصاروخي الباليستي وسياستها الإقليمية وعلاقاتها المتوترة مع دول المنطقة. وفي هذا السياق قال كويلار إن «خصومنا يبحثون عن مؤشر على تذبذبنا حيال الأمن الجماعي للمنطقة، ومستعدون للاستفادة من أي فرصة تظهر. يجب ألا نمنحهم إياها».
بعض الشركاء الأوروبيين يحاولون التسويق لحل وسط لن يمر قطعاً، وفُهم أنه يقوم أولاً على التوقف الإيراني عن التوترات الإقليمية، والتوقف كلياً عن مهاجمة الأميركيين، وثانياً على فكرة رفع «الحرس الثوري»، وعدده 180 ألفاً، عن «قائمة الإرهاب»، وإبقاء «فيلق القدس»، وعدده 20 ألفاً، لكن ذلك يواجه صعوبات كبيرة، لأن «الفيلق» مجرد فصيل في «الحرس»، لكن المفهوم في النهاية، وفق إجماع المحللين الأميركيين، أن قضية المسألة النووية العراقية لا يمكن أو يجوز أن تكون ورقة مساومة أميركية.
- آخر تحديث :
التعليقات