الفنان القدير رياض القصبجي الشهير بشاويش عطية أشهر من نار على علم، فهو من أضحك الملايين من المشاهدين العرب من خلال أعماله المسرحية والسينمائية على مدى ثلاثة عقود، ولا سيما سلسلة الأفلام الكوميدية التي أنتجت في الستينيات وأخرجها فطين عبدالوهاب، وظهر فيها القصبجي متلذذاً بمناكفة إسماعيل يس (ت: 1972).

لكن ما قد لا يعرفه الكثيرون أن القصبجي، المولود عام 1903 بصعيد مصر، دخل عالم الفن عن طريق الصدفة، فطبقاً لحوار أجرته إحدى المجلات مع ابنه فتحي، أكد الأخير أن والده اضطر للهرب من الصعيد إلى الإسكندرية هرباً من قضية ثأر، وفي الإسكندرية سكن في منزل يواجه منزل المجرمتين ريّا وسكينة دون أن يدري، وفيها بدأ حياته المهنية كمسارياً في السكة الحديد.

لأنه لم يلتحق في صغره بالتعليم. وبسبب عشقه للتمثيل اشترك في فرقة التمثيل الخاصة بالسكة الحديد، ثم استمع إلى نصائح أصدقائه بضرورة الانتقال إلى القاهرة من أجل الشهرة ففعل، الأمر الذي فتح أمامه الطريق للعمل مع عدد من الفرق الفنية، كفرقتي علي الكسار وجورج أبيض، قبل أن يستقر في فرقة إسماعيل يس.

وخلال مسيرته الفنية، التي بدأت بفيلم اليد السوداء عام 1936 من إخراج أمين صدقي، وتمثيل عقيلة راتب وحامد مرسي ومختار حسين، وانتهت بفيلم حب في حب عام 1960 من إخراج سيف الدين شوكت، وتمثيل حسن فائق وزينات صدقي وأحمد مظهر وفؤاد المهندس، قدم القصبجي نحو 160 عملاً ما بين السينما والمسرح.

ومع تقدمه في السن وتكالب الأمراض عليه ومعاناته من ارتفاع ضغط الدم تعرض لشلل نصفي في جانبه الأيسر، وظل طريح الفراش فترة من دون علاج لأنه لم يكن يملك مصاريف الأطباء والمستشفيات. وحينما سمع المخرج حسن الإمام (ت: 1988) أن حالته الصحية قد تحسنت، وأنه استعاد شيئاً من قدرته على الحركة، قرر أن يرفع من روحه المعنوية ويشعره بأنه لا يزال محبوباً ومطلوباً.

فطلبه في أبريل 1962 للظهور في فيلم «الخطايا» الذي كان يخرجه آنذاك، واختار له دوراً يناسبه. وقد سعد القصبجي بهذه المبادرة، لكنه أثناء التصوير تبين أنه غير قادر على استجماع قوته وذاكرته لأداء المشهد المطلوب، فسقط على الأرض وانخرط في البكاء، وساد صمت رهيب في الاستوديو. ولم يجد المخرج مفراً من إنهاء التصوير والتقدم نحو القصبجي لتطييب خاطره ومساعدته على النهوض لإعادته إلى منزله، فعاد حزيناً ومهموماً.

كانت تلك هي المرة الأخيرة التي وقف فيها أمام الكاميرا، إذ راحت صحته تتدهور جسدياً ونفسياً بعد هذه الواقعة، خصوصاً مع تأثره من قطيعة أصدقائه بالوسط الفني (عدا فريد شوقي ونور الدمرداش وتوفيق الدقن وجمال الليثي)، الذين لم يكلفوا أنفسهم بالسؤال عنه، ولا سيما رفيق دربه وأعماله إسماعيل يس.

وبعد عام، وتحديداً في 23 أبريل 1963 ودّع القصبجي الدنيا عن عمر ناهز 60 عاماً. وقيل إنه في ليلة وفاته مارس كل ما عشقه واعتاد عليه في حياته، فقد تناول الفول والطعمية واستمع إلى أم كلثوم من الراديو ومازح زوجته الصبورة.

على أن أزمات القصبجي لم تنتهِ بوفاته، ذلك أن وفاته كانت بحد ذاتها مشكلة جديدة لأسرته التي لم تجد ما يغطي تكاليف جنازته، لأنه كان فقيراً، على الرغم من كل شهرته ونجوميته وأعماله الخالدة الكثيرة. وهكذا ظل جثمانه مسجى في فراشه ينتظر من يدفع نفقات غسله وكفنه ودفنه، إلى أن تبرع بها الفنان فريد شوقي والمنتج جمال الليثي. أما إسماعيل يس فلم يشارك في جنازته، بل لم يأتِ حتى لتقديم العزاء لأسرته.