الاتحاد الأوروبي مصمم على التخلي عن الغاز الروسي، وتنطوي خطة الاستبدال الحالية على بناء محطات جديدة للغاز الطبيعي المسال واستيراد الغاز من أماكن أخرى. خطة الاستبدال هذه بها معضلة رئيسة واحدة: سوق الغاز الطبيعي المسال هي حاليا سوق يتحكم فيها البائعون، وسيتعين على المستوردين الالتزام بعقود طويلة الأجل.
ونتيجة الاختلاف بين مصالح مستوردي ومصدري الغاز، قد يصبح تحويل خطط الاتحاد الأوروبي البديلة إلى واقع أكثر صعوبة مما هو متوقع.
في ظاهر الأمر، كما عرضته بروكسل وعديد من الحكومات الأوروبية، استبدال الغاز الروسي سيكون سهلا نسبيا. سيتحول المستوردون ببساطة من واردات خطوط الأنابيب إلى واردات الغاز الطبيعي المسال عبر كل من المحطات الحالية والجديدة التي لم يتم بناؤها بعد، وعديد منها محطات عائمة لأنها أسرع في النصب والتشغيل. لمواصلة هذا المثال، قامت ألمانيا بالفعل بتأمين أربع محطات عائمة للغاز الطبيعي المسال ليتم تثبيتها في موانئها. واحدة فقط من تلك المحطات ستكون جاهزة بحلول نهاية العام، بطاقة معالجة تقدر بنحو خمسة مليارات متر مكعب سنويا، وهو ليس كثيرا بالنسبة لبلد بحجم ألمانيا، لكن السلطات تبدو متحمسة بشأن دوافع استبدال الغاز. بعد بناء المحطات ستحتاج ألمانيا إلى تأمين الغاز الطبيعي المسال. كانت سوق الغاز العالمية، حتى وقت قريب جدا، سوقا يتحكم فيها المشترون. لكنها تحولت إلى سوق البائعين بسرعة كبيرة لدرجة أن من المحتمل أن بعض المشترين لم يلاحظوا حدوث ذلك.
في الوقت الحالي، تختار الدول المصدرة للغاز، وبينها الولايات المتحدة وأستراليا، من تبيع له الغاز الطبيعي المسال. وهذا يعني أنه ما لم تتعهد ألمانيا بالتزام طويل الأجل، يمكن للدول المصدرة أن ترفض بسهولة بيعها للغاز الطبيعي المسال. هناك العشرات من العملاء الآخرين المتحمسين لتأمين الوقود لموسم الشتاء المقبل ولـ 20 شتاء مقبلا أيضا.
ما يجعل الأمور أسوأ بالنسبة لألمانيا والاتحاد الأوروبي في دورهما كمشترين للغاز الطبيعي المسال هو أن من المرجح جدا أن يصر المنتجون الأمريكيون على التزامات مماثلة طويلة الأجل. السبب: يحتاج المنتجون الأمريكيون إلى بناء طاقات إضافية للغاز الطبيعي المسال ليكونوا قادرين على توفير أكبر قدر من الغاز يحتاج إليه الاتحاد الأوروبي إذا أراد التخلي نهائيا عن الغاز الروسي.
لبناء هذه الطاقات، تحتاج هذه الشركات إلى قروض. البنوك لن تقدم هذه القروض إلا إذا كانت هناك التزامات طويلة الأجل من المشترين تضمن الجدوى التجارية لهذه المشاريع. لن يقدم أي بنك عدة مليارات من الدولارات اللازمة لبناء منشآت جديدة للغاز الطبيعي المسال دون هذه الضمانات. إنه حقا بهذه البساطة، والصعوبة بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
إن القول إن الاتحاد الأوروبي وضع نفسه في موقف صعب سيكون بمنزلة تقليل كبير منه لأهمية الوضع، حيث إن الموقف أكثر من صعب. الاتحاد الأوروبي، تماما مثل إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، في موقف صعب في محاولة التوفيق بين مسارين للسياسة: أمن الطاقة من خلال الوقود التقليدي والتحول السريع إلى مصادر الطاقة المتجددة على حساب أنواع الوقود التقليدي نفسه.
من ناحية، يريد الاتحاد الأوروبي خفض انبعاثات الكربون بشكل كبير خلال العقدين المقبلين. من ناحية أخرى، يريد الحصول في الوقت الحالي على طاقة موثوقة وبأسعار معقولة، طاقة لا تأتي من روسيا. سيوضح مصدرو الغاز الطبيعي المسال أن السوق لا تعمل على هذا النحو. إذا كان المنتجون سيلتزمون بزيادة الطاقة الإنتاجية.
سيحتاج البائعون أيضا إلى ضمانات أن المشتري لن يبيع منتجهم، أي إذا اشترت ألمانيا الغاز الطبيعي المسال، فستكون هي الوحيدة التي تستخدمه. وهذا يتعارض مع فكرة الاتحاد الأوروبي التي تقضي بتفويض الدول الأعضاء التي لديها إمكانية الوصول إلى الغاز لمشاركته مع الأقل حظا في الاتحاد. يبدو أنه سيتعين على ألمانيا والاتحاد الأوروبي إعادة ترتيب أولوياتهما من أجل تأمين الطاقة التي هم في أمس الحاجة إليها.