قليلةٌ هي الحالاتُ التي يأخذُ فيها التاريخُ مساراً خطياً، أو يمضي في خط مستقيم. المسارُ الدائري هو الغالب أو الأكثر شيوعاً في حركة التاريخ. فإذا لم تحدث انتكاسات أو ارتدادات تُغير اتجاهه، قد تحصل أزمات متفاوتة يحولُ بعضُها دون تواصله واستدامته.
هذا هو ما يخبرُنا به التاريخُ منذ العصور القديمة، وما تُعلمُنا إياه دراسةُ العلوم الاجتماعية في العصر الحديث. لكن دولة الإمارات إحدى الحالات القليلة التي تُمثِّلُ استثناءً من هذا النمط الغالب. استثناء لافت لا يوجدُ مثلُه إلا قليلاً. أخذ تطورُها منذ البداية مساراً خطياً لا تعرّج فيه ولا تعثر، فانطلقت من مرحلة التأسيس بقيادة الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إلى مرحلة التمكين في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله.
وها هي تتجهُ الآن إلى مرحلة تعميق ريادتها والتوسع فيها على المستويين الإقليمي والدولي بقيادة رئيسها المعروف جيداً في العالم الشيخ محمد بن زايد. ومن أكثرُ ما يُعرفُ عنه إيمانُه القويُ بالتطوير والتحديث في مختلف المجالات التي تحققُ دولةُ الإمارات فيها إنجازاتٍ تضعُها في موقع الريادة بما ينطوي عليه من رؤيةٍ تُلهمُ دولا أخرى، ونموذجٍ يُشارُ إليه بالبنان. ريادةٌ في التعليم والبحث العلمي والمعرفة، وفي الاقتصاد والاستثمار والتكنولوجيا، فضلاً عن النظام السياسي الاجتماعي الناجح الذي يجمعُ بين الاستقرار والتطور، وبين الاستمرار والتغيير.
وكان هذا واضحاً في السنوات الأخيرة، التي حمل فيها الشيخ محمد بن زايد أعباءً كبيرةً، وقام بمبادراتٍ متنوعة، وسعى إلى تطوير العمل الوطني في مختلف جوانبه لتحقيق أعلى معدلات الاستدامة. وتعدُ هذه الاستدامةُ أحد أهم عناصر مشروعه، الذي يحتلُ التعليمُ موقعاً متميزاً فيه. ومن يُتابعُ التطور الذي حدث في هذه الدولة الاستثنائية، يعرفُ دور محورية التعليم كونه قاطرةَ التقدم في زمننا الراهن. وهذا هو ما لفت الشيخ محمد بن زايد الانتباه إليه مبكرًا خلال القمة العالمية للحكومات عام 2015، عندما قال ما معناه إن الرهان الأساسي في الفترة القادمة هو الاستثمارُ في التعليم.
وهو ينطلقُ في هذا المجال من إدراكٍ راسخٍ لحقائق الزمن الرقمي، وفي مقدمتها أن العقل الإنساني باتَ الصانعَ الأساسيَّ للثروة، سواء عن طريق تطوير استخدام الموارد المادية المتاحة، والتي هي بطبيعتها ناضبة، أو من خلال خلق المعرفة اللازمة للاقتصاد الجديد أو اقتصاد التكنولوجيا الأكثر تقدماً. ولهذا يرتبطُ دورُ التعليم المحوريُ في مشروعه بالتنوع الاقتصادي الخلاَّق، وزيادة الاعتماد على الابتكار التكنولوجي والذكاء الاصطناعي.
وهذا هو ما يُمكّنُ دولةَ الإمارات من الاستعداد مبكراً وبطريقةٍ علمية ومنهجية ومخططة لمرحلة ما بعد النفط، عبر تسريع معدلات الاعتماد على الثروة التي يُنتجُها العقلُ بواسطة الابتكار والإبداع المتُجددين. وقد نجح الشيخ محمد بن زايد، خلال توليه المسؤولية في إطلاق الخطط اللازمة لتحقيق قفزات في هذا المجال والبدء في تنفيذها.
وهكذا يكونُ الانتقالُ إلى مرحلة تعميق الريادة انطلاقاً من مشروعٍ متكاملة أركانه ومحددة معالمُه هو مشروعُ دولة الإمارات في عهدها الجديد.