قبل بضعة أيام أظهرت استطلاعات رأى أجرتها شبكة «إن. بي.سي»، الإخبارية الأميركية، أن نسبة الذين يوافقون على إداء الرئيس بايدن من الأميركيين، قد وصلت إلى 39%، وأن غير الراضين عن إدائه قد بلغوا 56%، فيما تقلصت نسبة الذين ينظرون إلى إداراته نظرة إيجابية إلى 37%.
هل هذه الأرقام تعكس أزمة بايدن وحكومته المرتبكة، أم هي ترجمة لواقع إمبراطورية مأزومة؟ تلعب كاريزمية الرئيس من دون أدنى شك دوراً واضحاً في نجاحات أو إخفاقات أي إدارة أميركية، ولهذا يلقى الكثير من المراقبين اللوم على الرئيس بايدن، رغم أنه يتمتع بخبرة سياسية هائلة تصل لأكثر من أربعة عقود. أفتقد بايدن لأسباب منها ما هو متعلق بتطورات الأحداث الدولية، إلى مواصفات القيادة الحاسمة والحازمة، تلك رآها البعض في أيزنهاور، كيندي، وصولاً إلى ريجان.
القائمون على تحليل المشهد الأميركي الحالي يرون أن هناك تشابهاً كبيراً، مع نهايات إدارة جيمي كارتر الرئيس «الديمقراطي» عام 1981، وبخاصة حين بدت قبضة الولايات المتحدة ضعيفة أمام إمتهان كرامة أميركا في إيران، إلى أن ظهر«الجمهوري» رونالد ريجان على سطح الأحداث، وليضحى لاحقاً الرجل الذي فكك الإمبراطورية السوفيتيية.
يبدو بايدن شبه كارتر في عيون العديد من المحللين السيايين الأميركيين، لا سيما في ضوء انتكاسات الخارج سياسياً، وقلاقل الداخل اقتصادياً. هل أخطأ بادين حين سلك طريق ما يمكن أن نطلق عليه «المكايدة السياسية»، على الصعيد الدولي؟ يمكن اعتبار ذلك كذلك، والدليل، القرار غير العقلاني الخاص بوقف واردات النفط الروسية، الأمر الذي أنعكس سلباً على مقدرات الاقتصاد الأميركي، من خلال زيادة أسعار المحروقات في الداخل، وما تبعها من ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الغذائية ومختلف الخدمات لا سيما في قطاع النقل. لا يبدو أن أعضاء إدارة الرئيس بايدن لهم دالة على ضبط الأسعار، كما أن رهاناتهم على تحسن الأحوال خلال الصيف، أضغاث أحلام، سيما وأن مشهد الطاقة في العالم مرشح للمزيد من الاضطراب بعد اتجاه فنلندا والسويد إلى عضوية حلف شمال الأطلسي، وردات الفعل المتوقعة من قبل القيصر بوتين. تبدو الأزمات الأميركية معقدة ومركبة، متداخلة ومتشابكة، بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي، وبينهما تطفو على السطح أمراض اجتماعية مخيفة حقاً على مآلات البلاد.
خذ إليك على سبيل المثال لا الحصر حوادث إطلاق النار الأخيرة، فما جرى في نيويورك حدث من منطلق عنصري جعل البلاد تهتز لفداحتة، وأطلق بوق القرن منذراً ومحذراً من الهول الآتي من بعيد. أما حادث كاليفورنيا فجرت به المقادير برسم عرقي، حيث تم إطلاق النار خلال مراسم صلاة، ما يفيد بأن الجريمة قائمة على أسس من الكراهية، وفي هذا خوف كبير على مستقبل نظرية «بوتقة الانصهار»، أساس أميركا المهاجرة. هل الأوضاع في الداخل مرشحة لمزيد من التدهور والذي ينعكس حكماً على رؤية الأميركيين لمستقبل إدارة بايدن ولشخص الرئيس نفسه؟
في الغالب الأعم ذلك كذلك، لا سيما أن هناك أصواتاً مرتفعة ترى أن نوفمبر المقبل، بداية إرهاصات لقارعة أميركية غير مسبوقة والعهدة على روبرت كاجان رجل مشروع القرن الأميركي وتوماس فريدمان عراب العولمة.. هل هذه أخبار طيبة للعالم؟ بالقطع لا، إذ لا تزال أميركا رمانة ميزان عالم مضطرب، وتفككها أو تدهورها في هذه الأوقات أمر قاتل لبقية الكون..كيف ذلك؟ إلى قراءة قادمة.