الغذاء من المواضيع الصعبة التي يمكن التفكير فيها والكتابة حولها في عالم اليوم الذي تتغير فيه الأمور على مدار الساعة، وعلى ضوء الحرب الدائرة هذه الأيام بين روسيا وأوكرانيا أصبح موضوع نقص الغذاء العالمي، هو حديث الساعة الذي يتداوله البشر على مدار الكرة الأرضية خوفاً من تطور الحرب إلى عالمية ثالثة من المحتمل أن تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل الفتاكة، بما في ذلك الأسلحة النووية.
وبالنسبة لكافة الدول التي لا تنتج الغذاء في داخل حدودها الوطنية وليس لديها اكتفاء ذاتي منه وتقوم باستيراده من الخارج من الطبيعي أن يشعر معظمها بقلق شديد تجاه المسألة خوفاً من حدوث نقص في الإمدادات يؤدي إلى المجاعة. وربما أن مثل هذا القلق والخوف مبرر جداً من قبل تلك الدول وشعوبها، لأن مسألة الغذاء من زاوية نقصه أثناء نشوب الحروب الكبرى ليست بالأمر الهين، بل هو أمر مخيف حقاً، ويجر في أذياله العديد من الضحايا الذين يتعرضون للمجاعة مثلما يجر العديد من المآسي الأخرى للبشر كافة.
ربما يمكن لنا أن نمضي قدماً لكي نأخذ بعين الاعتبار كيف يمكن لمسألة نقص الغذاء أن تنشأ في الآتي من الأيام وفقاً لتطورات الحرب في أوكرانيا، لكن المسببات الرئيسة لها قائمة إلى حد كبير بالنسبة للكثير من شعوب الكرة الأرضية بما في ذلك القارة الأوروبية التي تعيش شعوبها في ترف شديد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وهل تتخذ حكومات الدول حول العالم المزيد من الإجراءات الفعّالة لكي تنقذ المناطق الأكثر قابلية للعرضة لنقص الغذاء والمجاعة؟ وهل النقص المحتمل سيكون عائداً للأوضاع الخاصة التي تتسبب فيها الحرب الروسية - الأوكرانية أم أن السبب الحقيقي والجوهري يعود إلى الأوضاع الخاصة التي تخلفها الحرب؟ أم أن كامل النظام العالمي الخاص بإنتاج الغذاء وتوزيعه بين كافة أمم الأرض يقف عائقاً ويبقى في حاجة إلى صيانة جذرية شاملة؟ بدءاً بهذه النقطة توجد خطوة قصيرة من أجل النظر في حلول وعلاجات ممكنة والتي يمكن تطبيقها في المستقبل من أجل منع حدوث تداعيات سلبية لنقص الغذاء. في سنوات سابقة كنّا نسمع عن قيام أمم بعيدة عنا بإتلاف الفائض من المحاصيل عمداً لمنع تدهور أسعارها، إما عن طريق حرقها أو رميها في البحر، أو استخدامها لأغراض غير مخصصة لها كغذاء للبشر، إما من قبل المزارعين، أو من قبل السلطات الرسمية في الدول المعنية، أو بقيام المزراع بإنتاج الحد الأدنى منها لكيلا يوجد فائض في الأسواق يؤدي إلى انخفاض السعر.
ويبقى أيضاً أنه حتى في الدول التي تصنف بأنها متقدمة في أوروبا والأميركتين، وهي دول تعيش شعوبها في بحبوحة من العيش الرغد في هذا العالم، ربما تقترب شعوبها من المجاعة لو حدث نقص في الغذاء على المستوى العالمي.
وبالتأكيد أنه يوجد أمر خطأ في المسألة في ناحية ما، لكن ما هو هذا الخطأ وأين يكمن بالتحديد؟ وكيف يمكن للبشرية جمعاء أن تقوم بتقويمه وإعادته إلى جادة الصواب؟ وهل توجد دلائل على نظرة جديدة إلى هذه المعضلة التي تنتظر العالم؟ وهل تتمكن البشرية من تكييف وإعداد أوضاعها أو أن يتم إرشادها بحكمة لكي يتم إنقاذها إلى الأبد من خطر الوقوع في براثن المجاعة والعوز والفقر من ناحية الغذاء؟ إن مثل هذه التساؤلات وغيرها تدور في الذهن وتتواتر بشكل سريع جداً مع تواتر أنباء الحرب المتفاقمة بين روسيا وأوكرانيا.
وهذا بحد ذاته يستدعي منا في دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي أن نكون يقظين تجاه هذه المسألة، وأن تكون لدينا مخارجنا وبدائلنا لتأمين الغذاء لأنفسنا.
وفي ظل الظروف الدولية الراهنة لا تبدو هذه المسألة كاملة الوضوح أمامنا، خاصة فيما يتعلق بالإنتاج في دول المنشأ وإجراءات التصدير والنقل وسلامة الوصول إلى دولنا. لذلك، فإن المسألة تحتاج إلى نقاش جاد ومستفيض ربما نتمكن من طرح جزء منه ضمن مقالات قادمة.
- آخر تحديث :
التعليقات