أوكرانيا تشق طريقها نحو صفة الدولة المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، بينما تلقت الدفعة الأولى من راجمات "هيمارس" الأميركية المتطورة ومدافع "هاوتزر" الألمانية، وهناك المزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية الأميركية والأوروبية.

لكن روسيا تستمر في تقدمها البطيء في منطقة الدونباس. ويستعر التوتر بين موسكو وليتوانيا بسبب القيود التي فرضتها فيلنيوس على الإمدادات التي ترسلها روسيا إلى كالينينغراد، جيبها على بحر البلطيق، وتهدد بخطوات "غير دبلوماسية" رداً على الخطوة الليتوانية، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلوح باستخدام صواريخ "سارمات" التي يستطيع الواحد منها حمل عشرة رؤوس متفجرة، أي أن صاروخاً واحداً كفيل بإزالة مدينة.

وأزمة الغذاء في العالم إلى تصاعد في ظل منع سفن القمح الروسية من الرسو في الموانئ الأوروبية، والحصار الذي تفرضه البحرية الروسية على ميناء أوديسا الأوكراني، وفشلت الوساطات التركية والأممية في هذا الشأن، وسط أطروحات بأن حلف شمال الأطلسي ربما سيتعين عليه فك الحصار بالقوة عن أوديسا، رغم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر الاصطدام العسكري المباشر مع روسيا. وهناك 12 دولة في العالم تواجه حصول اضطرابات اجتماعية وسياسية تحت وطأة نقص الغذاء.

وإذا ما انتقلنا إلى أزمة التضخم التي تضرب أميركا والدول الأوروبية بشكل غير مسبوق منذ عقود، نكون أمام موجة من الإضرابات العمالية على غرار ما تشهده بريطانيا في قطاعات السكك الحديد. وها هي ألمانيا تعتبر أن خفض روسيا إمدادات الغاز عنها يعتبر بمثابة إعلان "حرب اقتصادية" عليها، وتعلو النبرة في برلين مطالبة ببناء جيش أقوى تبعاً لضرورات المرحلة التي فرضتها الحرب الروسية - الأوكرانية.

كل هذه العوامل تقود مجتمعة إلى استنتاج مفاده أن الصدام المباشر بين روسيا والغرب، لم يعد من الأمور المستحيلة. لا بل إن الحرب تدخل طوراً من الاتساع الذي ينذر بتحولها حرباً عالمية فعلية وليست حرباً بالوكالة بين روسيا والغرب تدور رحاها فوق الأراضي الأوكرانية.

وما يساهم في تعزيز هذه النظرة التشاؤمية، غياب أي مفاوضات مباشرة أو بالواسطة بين روسيا وأوكرانيا حول احتمالات إيجاد تسوية سلمية للنزاع، ويقتصر الأمر على اتصالات لتبادل الأسرى والجثث في مناطق معينة.

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام المنتدى الاقتصادي السنوي في سان بطرسبرغ الأسبوع الماضي، إن العالم قد تغير منذ دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، وأن "عهد أحادية القطب قد انتهى"، وأن الولايات المتحدة تحاول "عبثاً" بشتى السبل الدفاع عن النظام العالمي الذي نشأ قبل أكثر من 30 عاماً.

إن هذا هو جوهر الصراع الدائر حالياً في العالم، من حيث الاصطفافات بين عالمين: العالم القائم حالياً بقيادة الولايات المتحدة والعالم الآخر الذي تحاول روسيا والصين والهند ودول أخرى، مثل البرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا، السعي إليه.

وهذا صراع مرشح للاستطالة وللتوسع. والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ يتحدث عن "حرب لسنوات". وكثير من هذه الدول بدأت تكيف أوضاعها العسكرية مع أزمة دولية مفتوحة.

لكن انفجاراً شاملاً بين روسيا والغرب يهدد العالم بكارثة أخرى، تفوق بشدتها الحربين العالميتين الأولى والثانية، لا سيما أن الحديث عن استخدام الأسلحة النووية لم يعد محرماً. فهل يمضي العالم بكامل وعيه إلى حرب تفني التاريخ البشري؟
أمام ما يجري في أوكرانيا وغياب الحلول الدبلوماسية، يصير كل شيء جائزاً.