قبل نحو مئة وخمسين عاماً وبهدف إمداد القصور الملكية في القاهرة بالفواكه والخضار، أنشئت حديقة الأورمان في عهد الخديوي إسماعيل، وكانت جزءاً من قصره، وجلبت لهذه الحديقة أشجار مثمرة ونباتات مزهرة من أقاليم مصر وأنحاء العالم كافة، لاحقاً فُصلت الحديقة عن القصر وأضحت حديقة وطنية للدولة، تحوي المئات من النباتات التي تنمو داخلها وخارجها.

يعود مفهوم الحدائق الوطنية إلى ما قبل الميلاد، إذ يعتقد المؤرخون أن تأسيس أولى الحدائق النباتية يرجع إلى الحضارة السومرية بمنطقة الرافدين قبل 2300 عاماً من الميلاد، وكانت مسرحاً للتدريب على الأعمال الزراعية. ويؤكد ذلك ما وجده العالم "كامبل تومسون" من 600 لوحٍ مكتوبٍ باللغة المسمارية دُوِّن فيها 250 اسماً لنباتات طبية وزراعية كانت تستخدم في مجالات الغذاء والكساء والدواء. كما يعد الخليفة الأموي "عبد الرحمن الداخل" أول مؤسس لمفهوم الحدائق النباتية في قارة أوروبا بغرسه عدداً من الأشجار الدمشقية في حديقة قصره، ومنها نخلتان من الجزيرة العربية، أما أول حديقة نباتية أوروبية في العصر الحديث فقد أقامتها المدرسة الطبية في "مونبلييه" الفرنسية بالقرن الخامس عشر.

وتعرف "الحديقة النباتية" حسب الجمعية الأميركية للحدائق العامة أنها: "الحديقة التي توثق النباتات حسب تصنيف المملكة النباتية، بزراعتها في أرض واسعة تضم أعدادًا هائلة من النباتات الطبيعية والغريبة، وكذلك النباتات الشائعة، مع وجود معلومات كاملة بجانب كل نبات تكون بمثابة هوية موثّقة يتم فيها التعريف بالنبات وكتابة الاسم العلمي والفصيلة والشعبة النباتية التي ينتمي لها وتكون مرجعًا للهواة والدارسين لعلوم النبات. ويكون وجودها ضروريًا في الجامعات ليتسنى للطلاب التعرف على النباتات عن قرب وأخذ المعلومات الكاملة عنها".

وجود هذه الحديقة في كل بلد يعزز من توثيق التنوع البناتي، ويساعد الطلاب والباحثين على دراستها، بدلاً من البحث عنها في مناطق الدولة المختلفة، ناهيك عن تركيز الخبرات العلمية في مكان واحد، بالإضافة إلى تحولها إلى مركز جذب سياحي للتعريف بالغطاء النباتي للبلد. ومن أمثلة هذه الحدائق: حديقة جامعة موسكو بروسيا التي أنشئت عام 1707م، وحديقة جامعة مدريد بإسبانيا، وبودابست بالمجر، وكلكتا بالهند، أيضاً حديقة جامعة أكسفورد وجامعة كمبريدج الإنجليزيتين.

نحن اليوم في المملكة العربية السعودية التي تتمتع بمساحة قارة واسعة الأطراف، متنوعة البيئات الزراعية والأجواء المناخية المتباينة، بحاجة إلى وجود حديقة نباتية وطنية توثق نباتات المملكة وتحفظ تاريخها، وتكون منارة علمية للتوعية بأهمية النباتات والحفاظ عليها، وعلى وجود الغطاء النباتي، ناهيك عن الأثر العلمي بتوفير مكان مناسب للطلاب والعلماء لإجراء بحوثهم على النباتات، بالإضافة إلى أنها ستمسي معلماً سياحياً للتعريف بالمملكة وثرائها النباتي.

ولعل وزارة البيئة والزراعة والمياة تأخذ قصب السبق بالتعاون مع كليات الزراعة في الجامعات السعودية، لتأسيس حديقة وطنية للمملكة في العاصمة الرياض، مع وجود حدائق فرعية أخرى في مناطق المملكة.