حسمت القيادة السياسية أمراً بمنتهى الأهمية وهو «عدم التدخل في اختيارات ممثلي الشعب واختيارات مجلس الأمة القادم في اختيار رئيسه أو لجانه المختلفة ليكون المجلس سيد قراراته، وعدم الوقوف مع فئة على حساب أخرى والوقوف من الجميع على مسافة واحدة».

رسخ خطاب سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، الذي ألقاه نيابة عن سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح حفظهما الله، الطمأنينة والاستقرار السياسي في ضمائر الشعب الكويتي بعد تطورات معقدة وإشاعات مفزعة من المجهول القادم لاسيما الخاصة بتعطيل الدستور.

فقد نازعت حالات من الفزع والاضطراب أطياف الشعب نتيجة تخبط الحكومة ومجلس الأمة منذ سنوات، وخاصة خلال الحكومات الأربع للشيخ صباح الخالد، مما أدى كل ذلك إلى زعزعة الثقة في السلطتين بسبب تداخل في الاختصاص و«تدخل البعض» النيابي في «عمل الحكومة».

فنحن اليوم كشعب بشرائحه وأطيافه كافة أمام مسؤولية غير مسبوقة تاريخية في التصدي الجاد لعبث المحاصصة القبلية والطائفية والمناطقية والفئوية، التي عصفت في الكويت حكومياً ونيابياً، بسبب تدخل حكومي ونيابي مزمن ومتنفذين أيضا في القرار الحكومي!

ومن المؤكد أن مثل تلك التدخلات الحكومية والنيابية في تقسيم المجتمع الكويتي على أسس غير سليمة اجتماعياً وسياسياً وثقافياً، تقودنا جميعاً نحو هاوية المجهول العظيم والمفزع الخطير، لذا لابد من تحمل المسؤولية الوطنية في حماية دستور الدولة من أي عبث وتجاوز.

إن الحاجة أمست ماسة للغاية في التلاحم الشعبي ضد تفتيت المجتمع وتمزيق نسيجه ومكوناته، فلابد من ضوابط شعبية ذاتية في تنظيم كيفية اختيار ممثلي الشعب ومحاسبتهم، وتقديم المصلحة العامة على الخاصة وإنقاذ الكويت من الانسداد السياسي بين الحكومة ومجلس الأمة.

واستشعاراً بالمسؤولية الوطنية، من المهم بمكان الحذر في اختيار ممثلي الشعب على أسس سليمة وليست ذات ابعاد طائفية وقبلية وفئوية، فالاختيار الأمثل لنواب الأمة على أساس مصلحة البلد سيؤثر حتماً في انتخابات رئاسة مجلس الأمة ومكتب المجلس ككل ولجانه أيضاً.

وهيمنت على الحكومات الأربع لصباح الخالد تحالفات غير مبررة سياسياً، ولم تغب تلك الهيمنة عن الخطاب السامي وكذا الحال بالنسبة لانتخابات رئاسة مجلس الأمة، والتي أدت إلى «تصدع العلاقة» بين السلطتين بسبب «صراعات تسيّرها المصالح والأهواء الشخصية على حساب الوطن».

ولابد أن يدرك رئيس الحكومة الجديدة حجم المسؤولية في اختيار وزراء أكفاء لا تحوم حولهم الشبهات، وقادرين جميعا على النهوض بالقرار الحكومي بعيداً عن ميوعة القرارات السياسية لإحداث تغيير جذري في منهج عمل الحكومة والعلاقة مع مجلس الأمة ونوابه.

إن المنهج الحكومي الجديد والمنشود يستوجب عدم التوسع في توزير نواب محللين إلا في حدود عدد قليل جداً لا يزيد عن واحد، فقد برهنت التطورات الأخيرة والتاريخية فشل تجربة الوزراء النواب بعدد كبير حتى فقد النواب دورهم في التشريع والرقابة.

فقدت الحكومة في الماضي القريب جداً، وفي الحكومة الرابعة تحديداً، أيضا استقلالية القرار الحكومي وترنحه بين مصالح انتخابية وشعبوية وفئوية واقتصادية، مما دفع في شيوع فوضى القرارات وانفاذ الفتاوى، التي مزقت سماحة المجتمع الكويتي وشوهت أيضاً الوجه الحقيقي للدين الإسلامي!

لقد بقي الدور الوطني والشعبي واضحاً ولا لبس فيه، ولابد من أن يضطلع الإعلام الرسمي في ترجمة الأهداف والتوجيهات السامية ووضعها في حيز تنفيذي واقعي وعملي ومنهجي منذ الآن وقبل الانتخابات المقبلة، بعيداً عن ظاهرة المجاملة والاجتهاد الفردي وليس العمل المؤسسي.

ومن المهم تطوير وبلورة آلية تعاون مثمر بين الإعلام الرسمي والخاص ومؤسسات المجتمع المدني بهدف التوصل إلى رؤية شاملة وجامعة تقوم على أساس منهجي وبرنامج زمني، من شأنها انتشال الكويت من النزعات الاجتماعية المقيتة وترسيخ مفاهيم انتخابية ذات ابعاد وطنية.

وينبغي ألا يتجاهل المعنيون في مجلس الأمة، وخصوصاً المسؤولين عن قراراته وإدارته، كما ورد صراحة في الخطاب السامي عن «عدم التزام البعض بالقسم العظيم لتحقيق الاستقرار وخدمة الوطن»، فقد شاب مسيرة المجلس مؤخراً التناحر والخصومة الشخصية من البعض، بل الفجور فيها في بعض الأحيان!