الآن نشهد انقساماً ملحوظاً بين قادة أوروبا وشعوبها، حول التعبير الذي تردد كثيراً عن إذلال روسيا، كخيار سياسي، يعبّر عن التصعيد في الإدارة السياسية للأزمة حول أوكرانيا، وليس إنهاءها.
الرئيس الفرنسي ماكرون أعلن رفضه لمقولة إذلال روسيا، بينما اعتبرها محللون في الغرب خياراً عشوائياً، لا يستند إلى القواعد الاستراتيجية التقليدية المعمول بها في مواجهة أزمات أو خصوم.
البعض أرجع هذا التوجه إلى فقدان الولايات المتحدة، للرؤية المكتملة لسياستها الخارجية في التعامل مع روسيا. وهو ما سبق أن أعلنه كلٌّ من البروفيسور جيري روزاني بجامعة ساوث كارولينا، والبروفيسور جيري كرايد بكلية شارلستون، وهما يتساءلان عن القواعد التي يدير النظام السياسي الأمريكي سياساته على أساسها، في زمن افتقدت فيه الولايات المتحدة حشوداً من خبرائها العارفين بكيفية إدارة الصراع مع العدو السوفييتي السابق. وأنها وهي تواجه عالماً مختلفاً وجديداً، لم يكتمل لديها مخزون الخبرة الذي كان لها سابقاً، في ظروف تواجه فيها عدواً جديداً.
ويظل الجدل حول مقولة الإذلال، محل مناقشات واختلافات. هناك ما نشرته مجلة «ذا أتلانتيك» تحت عنوان يشير إلى هذا الاختلاف، بكلماته التي تشير إلى معنى لرفض التفاهم مع الرئيس الروسي بوتين. ووجود دعاة لهذا التوجه يرون أن إعطاء بوتين فرصة لحل وسط، ستمكنه من العدوان مستقبلاً. بينما وصفت دراسة لمعهد بروكنجز للبحوث السياسية النزعة لإذلال روسيا، بالابتزاز.
وما قالته صحيفة «ذا هيل» الأمريكية من أن أي محاولة لإنزال هزيمة بروسيا ستكون خطأ مروعاً. وأيضاً تحدث البعض في أوروبا عن اعتقادهم بأن الحل الوسط، هو الذي سيقنع بوتين بوقف الحرب في أوكرانيا.
وعلى المستوى الرسمي أعلن ثلاثة من رؤساء دول أوروبية كبيرة رفضهم لأي توجه نحو إذلال روسيا، وهم ماكرون رئيس فرنسا، وشولتز رئيس ألمانيا، ودراجي رئيس إيطاليا.
ولم يمنع موقفهم هذا من زيارة الثلاثة لأوكرانيا، تأكيداً لدعم أوروبا لها، في موقف متوازن يعبّر عما قاله ماكرون من أن فرنسا يمكن أن تكون طرفاً في وساطة قوية. وما صرح به أثناء هذه الزيارة من الحفاظ على توازن دبلوماسي مع موسكو، مع تأكيده مساعدة أوكرانيا في أزمتها.
وسط هذا الجدل انجذبت الأنظار بقوة واهتمام إلى كتاب يعبر عن هذا الانقسام، كان قد صدر في مطلع عام 2022، لكنهم وجدوا أن رؤيته تنطبق تماماً على ما يحدث اليوم.
الكتاب عنوانه: «عواقب الإذلال: الغضب وشرعيته في السياسات العالمية». وهو للكاتب الأمريكي جوسلين برانهارت، ويقول: عندما تعاني دولة من الإذلال إثر هزيمة تلحق بها، وخسارتها لمكانتها الدولية، وتهديد لصورتها على المسرح العالمي، فإن من سعوا لإذلالها هم من انتابهم شعور معقد وسلبي.
ولوحظ أنه رغم سيطرة النظرة الغربية التي تشيطن روسيا في وسائل الإعلام بالغرب، إلا أن بعض هذه الوسائل – وإن كانت قليلة – قد أفردت مساحة في إعلامها لرسالة مكتوبة من عالم السياسة الروسي سيرجي كاراجوانوف خبير الشؤون الدولية، وعميد كلية الاقتصاد العالمي بموسكو. والذي قال في رسالته، إن روسيا سبق أن عرضت على أوروبا، أن تشغل مكانها في السياسات الأوروبية والعالمية. وهو شيء طبيعي ومشروع؛ كونها دولة أوروبية، لكن الغرب رفض مطلبها كلية. ثم قال نحن لسنا في حرب مع الغرب، ولقد قلت ومعي كثيرون منذ 25 عاماً، إن توسع حلف الناتو سيؤدي إلى حرب. ومع ذلك مضى الحلف في زيادة تمدده نحو حدود روسيا، ووقعت الحرب.
يبدو أنهم في أمريكا وأوروبا لا يبصرون العواقب القاسية للسياسة المتبعة الآن تجاه بوتين.
والذي حدث أن الرئيس الصيني شي جين بينغ أعلن يوم الأربعاء الماضي عن اتصال هاتفي جرى بينه وبين الرئيس الروسي بوتين. أكد خلاله دعم بلاده لأمن روسيا وسيادتها على أراضيها. وأن الصين ترغب في مواصلة دعم روسيا بشأن مصالحها الأساسية ومخاوفها على سيادتها وأمنها القومي، والتعاون الاستراتيجي الوثيق، والدعم المتبادل بينهما.
حتى اللحظة الأخيرة قبل هذا البيان الصيني، ظلت دول الغرب تميل إلى الاقتناع بأن العقوبات الاقتصادية القاسية على روسيا، هي في الوقت ذاته بمنزلة رسالة موجهة إلى الصين، لترتدع عن أي تقارب مع روسيا، ولتشعر بأنها ستدفع ثمناً باهظاً في حالة ما إذا أيدت بوتين. وهي تقديرات ثبت خطؤها.