للسياسة الدولية حساباتها الدقيقة والمعقدة والمركبة لتحقق أهدافها وغاياتها باحترافية عالية تتحقق فيها المصالح والمنافع العليا، وتُتَجنب من خلالها الخسائر والسلبيات المُكلِفة. وإذا كانت هذه هي القاعدة العامة التي يمكن البناء عليها لفهم السياسة الدولية للدول بشكل عام، فإنها للدول الرئيسة في المجتمع الدولي أكثر أهمية للآثار الكبيرة والتكلُفة العالية التي قد تترتب على المجتمع الدولي نتيجة سياساتها وقراراتها وسلوكياتها وممارساتها نظراً لمكانتها الكبيرة والمؤثرة والمحركة للسياسة الدولية. ومن هنا تأتي أهمية العقلانية في إدارة السياسة العامة -وخاصة السياسة الخارجية- للدول الرئيسية والفاعلة في المجتمع الدولي -وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية- بصفتها القطب الرئيس والأوحد في المجتمع الدولي. وبما أننا نشير هنا إلى أهمية العقلانية في إدارة السياسة الدولية، فإنه من الواجب التأكيد بأن هذه العقلانية ساهمت كثيراً خلال العقود الماضية في المحافظة على أقل تقدير في تحقيق نِسب عالية جداً من السلام والاستقرار العالمي في معظم مناطق العالم، وساهمت مساهمة رئيسية في منع حروب عالمية مُدمرة للموارد البشرية والمادية والطبيعية، وحققت نِسباً عالية جداً من الأمن الصحي والغذائي في معظم مناطق العالم، وتمكنت من المحافظة على نمو الاقتصادات العالمية، وساهمت مساهمة فاعلة في ضمان استمرار وصول مصادر الطاقة العالمية لمختلف مناطق العالم بأسعار تناسب المنتجين والمصدرين.

ومن هذه المنطلقات الرئيسة لأهمية العقلانية في حركة السياسة الدولية وفعاليتها لتحقيق المزيد من المكتسبات التي تعود على العالم أجمع بالفوائد العظيمة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، رأى الرئيس الأمريكي جو بايدن أهمية القيام بزيارة رسمية للمملكة العربية السعودية بصفتها أحد أهم دول العالم المُؤثرة في حركة السياسة الدولية، ونمو الاقتصادات الدولية، والمؤثر الرئيس في مصادر الطاقة العالمية؛ هذا بالإضافة إلى إدراك الرئيس الأمريكي بايدن لمركزية المملكة في السياسة العربية، وفي السياسة الإسلامية، والدولة الرئيسية الأولى في منطقة الشرق الأوسط. فإذا أضفنا إلى هذه السمات الثابتة للمملكة العربية السعودية في السياسة الدولية، مكانة وحكمة ورمزية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- في السياسة العالمية، وكذلك جهود ونشاطات ومبادرات ورؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- الهادفة للبناء والتحديث والتطوير على جميع المستويات الداخلية والإقليمية والدولية والعالمية، فإننا نُدرك مدى العقلانية وبعد النظر الذي جعل الرئيس الأمريكي جو بايدن يرى أهمية أن يقوم بزيارة رئاسية للمملكة العربية السعودية والالتقاء بقادتها الكرام.

نعم، إن العقلانية السياسية لدى الرئيس الأمريكي جو بايدن التي قادته لزيارة المملكة العربية السعودية والالتقاء بقادتها الكرام مكنته من أن يرى الماضي بعين السياسي الخبير، ويدرس الواقع بعين الرئيس المسؤول، وينظر للمستقبل بعين السياسي المحنك الساعي بجد وحكمة وعقلانية لتعظيم الإيجابيات والفوائد العائدة على المجتمع الدولي، ومعالجة السلبيات المدمرة التي قد تنتج حال لم يتم التنسيق وتوحيد الجهود الدولية البناءة. وبما أن عقلانية الرئيس جو بايدن قادته لزيارة الرياض، فإنه من الأهمية الإشارة إلى أن هذه العقلانية هي نفسها التي أسست لعلاقات سياسية متينة عام 1933م بين الرياض وواشنطن، وهي نفسها التي ارتقت بالعلاقات السياسية لتصبح علاقات استراتيجية في فبراير 1945م عندما التقى الزعيمان العظيمان الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس فرانكلين روزفلت، وهي نفسها التي قادت زعماء ورؤساء الدولتين لتبادل الزيارات واللقاءات الرسمية والودية لتعزيز الشراكات الاستراتيجية التي تخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين، وكذلك تساهم في تعزيز الأمن والسلم والاستقرار والازدهار الإقليمي والدولي والعالمي.

نعم، إن البلدين الصديقين -المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية- في حاجة ماسة اليوم لأن يعملوا للحاضر والمستقبل، كما عملوا في الماضي، لمعالجة الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، لتقليل آثارها السلبية على المنطقة والممتدة للعالم أجمع. وكما أثبتت النقاشات والتفاهمات السياسية في الماضي فعاليتها في معالجة العديد من المشكلات المتنوعة والمختلفة ليتعزز بعدها الأمن والسلام والاستقرار والازدهار الذي تتطلع له شعوب المنطقة والعالم، فإن النقاشات والحوارات والتفاهمات السياسية بين قادة البلدين الصديقين حتماً سوف تساهم في معالجة العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنية القائمة في المنطقة والعالم.

إن العقلانية السياسية التي قادت الرئيس بايدن لزيارة الرياض، والحكمة وبعد النظر وسداد الرأي لدى قادة المملكة الكرام، حتماً ستقود لطرح القضايا المتعددة والمتنوعة التي يرغب البلدان الصديقان في مناقشتها ومعالجتها والتفاهم حولها لتعظيم الفوائد والمنافع العائدة على حركة السياسة الدولية، والأمن والسلم والاستقرار والازدهار الدولي، ونمو الاقتصاد العالمي. إن شعوب المنطقة والعالم تتطلع دوماً لتعزيز الأمن والسلام والاستقرار، وترى من وراء هذه اللقاءات العالمية على مستوى رؤساء الدول -خاصة الدول الفاعلة في السياسة الدولية- فرصة لتحقيق تطلعاتها، فإنها تأمل بأن تكون قضية مواجهة التطرف ومحاربة الإرهاب أحد أهم القضايا التي ستتم مناقشتها والتفاهم حول الآليات من أجل التغلب عليها والقضاء على مسبباتها. نعم، إن شعوب المنطقة عانت كثيراً من التطرف الفكري الذي تقوم عليه وتسوقه الجماعات والتنظيمات المتطرفة مما تسبب في تضليل العديد من الشباب وتشويه أفكارهم وانحراف توجهاتهم مما جعلهم ينضمون بعد ذلك للتنظيمات والجماعات واليمليشيات الإرهابية والمسلحة. إن البلدين الصديقين -مع بقية دول العالم- بحاجة ماسة لمواجهة الأسباب المؤدية للتطرف الفكري، وفي حاجة مُلحة وعاجلة لمحاربة التنظيمات والجماعات والميليشيات الإرهابية التي دمرت المجتمعات المستقرة في المنطقة والعالم. إنها رسالة الشعوب المُسالمة لقادة العالم أجمع بأهمية الوقوف في وجه الإرهاب، ومواجهة من يقف وراءه ويموله ويدعمه لأنه المتسبب الرئيس في غياب الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي والعالمي.

وإن شعوب المنطقة والعالم تتطلع من هذه اللقاءات عالمية المستوى قرارات حاسمة وسياسات صارمة تقف في وجه الأنظمة السياسية المتطرفة الساعية لامتلاك التقنية النووية للأغراض العسكرية والتدميرية. إن شعوب المنطقة والعالم المتطلعة للأمن والسلام والاستقرار تأمل في أن تصدر عن هذه اللقاءات العالمية قرارات وسياسات تُجرم الأنظمة السياسية السَّاعية لامتلاك أسلحة نووية، وتتطلع لتصعيد هذه القضية المهمة لمجلس الأمن الدولي ليتحمل مسؤولياته القانونية وليجرم تلك الأنظمة السياسية المتطرفة الساعية لزعزعة أمن وسلم واستقرار المجتمع الدولي. وإن شعوب المنطقة والعالم تتطلع من هذه اللقاءات عالمية المستوى لتفاهمات ومعالجات لقضايا التنمية الاقتصادية والتطوير الاجتماعي والتحديث الذي يعود بالازدهار والرفاه وتحقيق الحياة الكريمة والأمن الصحي والغذائي لشعوب المنطقة والعالم. وإن شعوب المنطقة والعالم تتطلع من هذه اللقاءات العالمية لسياسات وتفاهمات وحوارات وقرارات تساهم في المحافظة على البيئة وتعزيز مصادرها الطبيعية، وتجريم كل من يتجاوز الأنظمة القائمة لحمايتها والمحافظة عليها من التعديات والتدمير الممنهج والعشوائي. وإن شعوب المنطقة والعالم تتطلع من هذ اللقاءات العالمية لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الأنظمة السياسية المُعتدلة والمحبة للسلام والاستقرار، وتأمل في أن تتوحد الجهود وتتعاظم الإمكانات بين هذه الدول لخدمة الأهداف الإنسانية السامية التي تعمل عليها الدولتان الصديقتان.

وفي الختام من الأهمية التأكيد بالقول بأن المملكة -بمكانتها وحكمة قادتها- ترتقي لتواصل أداء أدوارها السّامية والجليلة والبنَّاءة على جميع المستويات الإقليمية والدولية والعالمية ليتعزز من وراء ذلك الأمن، والسلم، والاستقرار، والازدهار، والرخاء، والرفاه، الذي تتطلع له شعوب ودول المنطقة والعالم. إنها الحقيقة القائمة التي يدركها العالم أجمع حتى أصبحت المملكة وجهة دولية ثابتة لقادة العالم -خاصة قادة الدول الرئيسة- لمناقشة وطرح القضايا الرئيسة والمحورية التي تهم شعوب ودول العالم.