الرئيس الأمريكى جو بايدن يحتاج إلى الشرق الأوسط، لا العكس. تلك حقيقة واقعة فرضتها الظروف خلال الفترة الأخيرة، كانت نتيجتها أن انعطفت سياسات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة من النقيض إلى النقيض تمامًا. هذا هو حال الأمريكان دائمًا، ينظرون إلى مصلحتهم، ويتحركون نحوها، ويتناسون مواقفهم السابقة تجاه من لم تكن لهم مصلحة معه فى السابق.

واشنطن خلال الفترة الماضية عانت من نكبات تلو الأخرى، وأعتقد أنها ليست بسبب الديمقراطيين، كما يريد أن يصور الجمهوريون أو أنصار اليمين فى العالم عمومًا، بل هى نتيجة تكلس الإدارة، وعدم استيعابها المستجدات التى تحدث على الكرة الأرضية، خصوصًا مع تنامى قوى أخرى باتت تناطح المصالح الأمريكية أينما ذهبت.

النكبة الأولى التى تعرض لها الأمريكان كانت الخروج الغريب من أفغانستان، وتسليمها على طبق من ذهب لحركة طالبان مرة أخرى، وكأننا عدنا إلى زمن التسعينيات، عندما كانت الحركة الإسلامية المتطرفة تلك مسيطرة على الدولة بشكل كامل، بل وآوت المتطرفين، ما كان له أثر فى حدوث 11 سبتمبر، التى انكوت بها أمريكا.

النكبة الثانية كانت خروجها من الشرق الأوسط، بقرار لم يكن حازمًا، بل كان مائعًا، ما خلَّف أزمة حقيقية فى عدد من الدول، ومن بينها بالتأكيد العراق. هذا الانسحاب الأمريكى من دون تحقيق أى هدف مما أعلنته وقت المجىء، جعل للقوى العالمية الأخرى صوتًا مهمًا فى المنطقة، ولعل الصين إحداها من الجانب الاقتصادى، وروسيا من الجانب العسكرى والسياسى.

النكبة الثالثة هى فشل الإدارة الأمريكية الكبير فى إدارة الملف النووى الإيرانى، من اتفاق فى البداية، ثم نقض لهذا الاتفاق أيام ترامب، فعودة ولا عودة فى زمن بايدن، وهذا كان له كبير الأثر فى اهتزاز الصورة الأمريكية فى العالم، وأمام الرأى العام فى منطقة الشرق الأوسط التى تهمها المسألة الإيرانية بقوة.

النكبة الرابعة كانت تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، التى أظهرت الضعف الكبير الذى عليه الاقتصاد العالمى من دون بعض الثروات الآتية من بلاد الروس والأوكران، فضلًا عن نكبة مستمرة بمساندة غير عاقلة لإسرائيل، ونكبة أخرى متوقعة فى الانتخابات النصفية المقتربة للكونجرس، والتى سيفقد ولاشك فيها بايدن الأغلبية للجمهوريين، حسب استطلاعات الرأى.

لا ننتظر أن يأتى بايدن ليوزع هدايا، كما أننا لا ننتظر أن يكون موقفه بنفس غطرسة قوة السابق، هو سيأتى من أجل الحفاظ على مكانته- مكانة أمريكا- فى الشرق الأوسط، لذا سيكون ملزمًا بتصحيح صورة الإدارة الأمريكية أمام شعوب المنطقة، وأن يتعهد بحل جذرى للقضية الفلسطينية، ولأزمة الحدود بين تل أبيب وبيروت، وأن يتعهد بتدارك ما يحدث فى المفاوضات النووية الإيرانية، لتبديد مخاوف أهل المنطقة. سيكون مُلزمًا أن يتفق مع السعوديين والإماراتيين على بنود اقتصادية غير مجحفة لطرف دون الآخر.