تطرح زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لطهران منذ أسابيع قليلة، كثيراً من الأسئلة، ليس لجهة عودة الشرق الأوسط ساحة للتنافس بين المصالح الغربية، وأن المنطقة لم تعد أهميتها تقتصر فقط على تخوّف الغرب من التهديدات الإرهابية العابرة لهم، بل لأن زيارة بوتين في الجانب الآخر تُلقي الضوء على شكل العلاقات بين روسيا وإيران، وكيفية إدارتها على النحو الذي يعكس تفاهمات قوية في مواجهة واشنطن. لكن، ما زال بينهما كثير من التناقضات والتنافسات، التي تصل في كثير من الأحيان إلى التعارض بما جعلها تسمّى علاقة الأعدقاء.

ومن ثمّ وفي ظل التقارب الأخير بين روسيا وإيران في ظل تعرّض كليهما للعقوبات الأميركية والغربية، ومحاولة العزلة سواء الإقليمية أو الدولية، هل يمكن في إطار الزيارة الأخيرة لبوتين القول إن العلاقات الروسية - الإيرانية قد تتطور إلى تحالف استراتيجي، أم ستظل قائمة على تحركات تكتيكية في مواجهة موقف الولايات المتحدة تجاه كل منهما؟

هنا يمكن الوقوف على نتائج الزيارة، ومن ثمّ تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف بين الطرفين. بداية، تضمّنت الزيارة التي قام بها بوتين إلى طهران لقاءً بمسؤولين إيرانيين، منهم المرشد الإيراني، في 19 يوليو (تموز)، كما عقد بوتين أول اجتماع مباشر له منذ الحرب مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لمناقشة صفقة من شأنها استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية في البحر الأسود، وكذلك الصراع في شمال سوريا.

من جهة روسيا قد تدور نتائج الزيارة حول إرسال رسالة للغرب بشأن خططها وسياستها لإقامة علاقات استراتيجية أوثق مع إيران والصين والهند في مواجهة العقوبات الغربية.

وبالنسبة إلى إيران، حاولت الاستفادة من اللقاء مع بوتين، على المستوى الداخلي والدولي، فعلى المستوى الدولي، كررت نفس الخطاب المناهض للغرب، وانتقاد السياسات الأميركية وحلف الناتو، على اعتبار أنه سبب رئيس لتهديد الأمن الإقليمي، حيث دعا خامنئي إلى تعاون طويل الأمد بين إيران وروسيا، وأبلغ بوتين أن البلدين بحاجة إلى توخي اليقظة ضد ما اعتبره "الخداع الغربي".

واتفق الطرفان على استخدام عملتيهما الوطنية عند التعاملات التجارية في ما بينهما، في محاولة للترويج لصورة المناهض للولايات المتحدة، حيث قال خامنئي خلال اللقاء يجب رفع الدولار الأميركي عن التجارة العالمية "ويمكن القيام بذلك تدريجاً".

من جهة أخرى، استفادت إيران من اللقاء الروسي بمحاولة الضغط على الولايات المتحدة لتقديم تنازلات من أجل إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع القوى العالمية.

وهناك كثير من التناقضات التي ما زالت تحملها العلاقات بين روسيا وإيران، فمن جهة، ميل روسيا المتزايد نحو الصين في الأشهر الأخيرة أدّى إلى انخفاض كبير في صادرات الخام الإيراني إلى الصين، التي كانت مشترياً رئيساً للنفط الإيراني، حتى في ظل استمرار العقوبات الأميركية، ومن ثمَّ فإن تراجع صادرات إيران من النفط الخام إلى الصين أدى إلى استبعاد حصة إيران من السوق في كل من الصين والهند. ولتعويض إيران عن تلك الخسائر وقعت شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة غازبروم الروسية مذكرة تفاهم تبلغ قيمتها نحو 40 مليار دولار.

أمّا داخلياً، ستضمن إيران توريد القمح الروسي لها، لا سيما في ظل أزمة الغذاء العالمية المحتملة بفعل الحرب الروسية – الأوكرانية، ومن ثمَّ يمكن لطهران أن تتفادى مزيداً من السخط الشعبي الداخلي المتزايد ضمن دوائر وفئات كثيرة، سواء بفعل الأزمة الاقتصادية والتضخم وتراجع مستويات الدخل أو الفساد، وسوء الإدارة المنعكس في أزمات نقص المياه والجفاف وكورونا. ومن ثمَّ يمكن للنظام الإيراني ضمان الحد الأدنى من مستويات المعيشة للمواطنين في ظل ما هو متوقع من أزمة غذاء عالمية.

ومع ذلك هناك كثير من التناقضات التي لا يمكن لأي من روسيا أو إيران إغفالها، التي ستؤثر في مصالح كل منهما ودرجة الثقة في ما بينهما، بالتالي تحول دون تطور العلاقات التكتيكية إلى تحالف استراتيجي. ففضلاً عن الخبرات التاريخية بينهما، التي أسهمت في إدراك العقلية الإيرانية بأن روسيا كانت ضمن القوى الدولية التي استغلت الموارد الإيرانية، نجد أن كلاً من البلدين لديه علاقات مع الأطراف المنافسة، فمن جهة طهران تسعى لفتح علاقات مع دول الخليج، في الوقت الذي تحافظ روسيا على علاقتها بإسرائيل، وتوظفها كنوع من الكوابح للوجود الإيراني بسوريا.

ومن جهة أخرى ستظل إيران وروسيا منافسين في سوق الطاقة يمكن لأي منهما أن يكون بديلاً سواء في السوق الأوروبية أو للصين والهند. وأخيراً، لن تتغافل إيران عن محاولة روسيا عرقلة الوصول إلى الاتفاق النووي مع الغرب عام 2015، بحسب التسجيل المسرب لوزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف، ومحاولتها عرقلة إحياء الاتفاق مع إدارة جو بايدن، حينما طالبت بضمانات في بدايات الحرب الأوكرانية.

إجمالاً، توظف كل من روسيا وإيران علاقتها في مواجهة خصومهما فقط، وليس هناك مجال لتحالف استراتيجي بينهما.