كلنا مع استقرار العراق وتوجيه بوصلته نحو تلبية مطالب الشارع بتوفير الخدمات وفرص العمل، وقيادة البلد نحو التطوير وإنهاء الصراعات والقضاء على الفساد والمفسدين، فبلد مثل العراق، بكل ما يحمله من تاريخ وقدرات بشرية ومادية، لا بد أن يكون في مصاف الدول القادرة على تحقيق رفاهية الشعب وتلبية مطالبه، لكن للأسف فإن العراق لا يخرج من أزمة حتى يدخل في أخرى، وهو لحد الساعة لم يخرج من عنق الزجاجة وسط أزمات سياسية حادة، تجلت مؤخراً بقيام جماهير عراقية محسوبة على التيار الصدري بتجاوز المنطقة الخضراء واقتحام البرلمان.
لكن لماذا حدث هذا الاقتحام؟ وما الهدف منه؟ وما مصير العملية السياسية في العراق؟ وكان تيار مقتدى الصدر قد فاز بأكبر كتلة في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، لكن الصدر لم يتمكن من تشكيل حكومة بسبب عرقلة ذلك التشكيل من قبل مكونات سياسية، وتحديداً «الإطار التنسيقي» الشيعي، ليصل في نهاية المطاف لانسداد سياسي، خاصة أنه رفض المحاصصة المفروضة عليه لتشكيل الحكومة، ما دفعه في نهاية المطاف إلى الطلب من كتلته الانسحاب ليستقيل نوابُه، وبذلك تنتقل أحقية تشكيل حكومة للكتلة الثانية من حيث الحجم. وفسّر البعضُ خطوةَ الصدر بأنه سيلجأ للشارع بهدف فرض نفسه من جديد، ومنع تشكيل حكومة عراقية لا تتناسب مع تطلعات التيار الصدري، ويبدو هذا جلياً من خلال رفض ترشيح محمد شياع السوداني لمنصب رئيس الحكومة، والذي كان عضواً في «حزب الدعوة» العراقي و«ائتلاف دولة القانون»، قبل أن يستقيل عام 2019. الخيارات المتاحة حالياً كثيرةٌ، فإما أن ينسحب السوداني من المشهد، وإما تشكيل حكومة تواجه الشارع، والمقصود هنا التيار الصدري الذي له جمهور واسع. والخيار الأخير هو استمرار الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي حتى تنظيم انتخابات أخرى.
والبعض يميل إلى هذا الخيار كخيار سلمي يمنع الانزلاق نحو منعطفات خطيرة، في ظل تمسك بعض القوى بالتحكم في العملية السياسية عبر لعبة التحالفات والتوافقات التي تعرقل تشكيل أي حكومة، وهذا ما أدركه الصدر فانسحب بنوابه واتجه نحو الشارع ليقول كلمته. لحوالي عشرة أشهر والعراقُ لم يحسم استحقاقه السياسي ولم يشكل حكومته، ولذلك تبعات تتعلق بالميزانية التي لن تُقَر، وبذلك لم يتم الإنفاق على الخدمات والإصلاحات، وهذا يؤثر مباشرة على المواطن العراقي.
وإلى ذلك فالعراق يغوص في إشكالية اختيار رئيس للجمهورية، وهذا بدوره هو مَن يعيِّن رئيسَ الحكومة، وهذه إشكالية أخرى تتجاذب حولها الأحزاب، لكن هذه المرة الأحزاب الكردية التي يجب أن ترشح الرئيس قريباً، حيث يعارض «الحزب الديمقراطي الكردستاني» احتكارَ «حزب الاتحاد الوطني الكردستاني» لهذا المنصب، ويطالب بتداوله.
كل تلك الخلافات على المناصب السيادية في العراق تؤثر مباشرة على المواطن العراقي، الخاسر الأكبر من التجاذبات الحزبية. ومن دون خلق تغيير في آلية إجراء الانتخابات، والقضاء على المحاصصات الفئوية، والاتجاه نحو انتخابات واضحة المعالم تعطي للفائز حق تشكيل الحكومة.. سيبقى العراقُ رهينةً بأيدي المتخاصمين الذين يعتبرون المناصب السياسية كعكة يتم تقاسمها بينهم، وكلٌ يحاول أخذَ القطعة الأكبر.
نتمنى أن يخرج العراق من أزمته ويعيد ترتيب حياته السياسية، وأن يكون ولاء مَن يشكل الحكومة للعراق وحده، وأن يعمل على تحصين البلد من الداخل والقضاء على الفساد وتطوير البلاد داخلياً وخارجياً عبر تقريب العراق من حضنه العربي، وأن يستطيع عقد التحالفات التي تخدم العراق في المرتبة الأولى وليس أي طرف آخر خارجي أو داخلي يأخذ البلدَ رهينةً بيده.