مات الرئيس الليبي معمر القذافي وذهب إلى غير رجعة، وترك البلاد في فوضى وتنازع على السلطة والنفوذ بين الطامحين بحكم البلاد بعد أكثر من ثلاثين عامًا من حكمه، حالت قوة القذافي خلال فترة حكمه دون تحقيق أي من طموحاتهم، فكان حاضراً بعد غيابه الصراع والقتال وتوالد التكتلات، ووجود حكومتين وجيشين، وأعداد هائلة من المرتزقة غير الليبيين، ممن وجدوا في ليبيا ساحة لتأجيج الصراعات، ووضع بذور للإرهاب هناك.

سنوات من أعمار الليبيين تمضي سريعًا، ولا شيء يظهر في الأفق على أن حلاً بانتظار تعافي ليبيا من مآسيها، أو أن شمسًا سوف تشرق ذات يوم فتبدد هذا الظلام الذي يغطي الحياة في ليبيا، ليعيش الليبيون حياتهم الطبيعية، بعيدًا عن الاقتتال، وإتاحة المجال للمرتزقة ليعبثوا بالبلاد ويعيثوا فساداً، كما هي حالة ليبيا الآن.

دول كثيرة بميليشياتها ومرتزقتها لها حضورها القوي في ليبيا، وتتنافس على مصالحها على الأرض الليبية، وكل منها تحاول أن تجد الغطاء لوجودها في غير موطنها الأصلي من خلال استقطاب بعض الليبيين لصالحها، فيتم الدعم المالي والبشري من الخارج للكتل الليبيية، وضخ كل ما يغريهم لتقديم الولاء للأجنبي الغازي ضد مصلحة البلاد.

وأشك أن يكون ما يتم تداوله من تصريحات ظاهرها الحرص على مصلحة ليبيا من بعض الدول، واستعدادها لتنظيم اجتماعات للحوار بين فئات الليبيين، بينما باطنها مما لا يظهر لنا قد لا يكون الأمر كذلك، ولا على هذا النحو، فالحل للمشكلة يبدأ أولاً من منع تدفق السلاح، وإفراغ ليبيا من المرتزقة الذين جاؤوا من بعض الدول، ومن كل فج عميق.

والحل يقع أولاً وأخيرًا وقبل أي شيء آخر على عاتق الليبيين أنفسهم، إذ لا معنى لمواقف الليبيين في وضع الحالة الليبية في حالة عدم توازن، فلا حكومة ولا مجلس رئاسة ولا مجلس نواب ولا جيش قادرون على حماية ليبيا من التمزق والانهيار، وهي الدولة الغنية فيما لو استتب الأمن والاستقرار، ووظفت عائدات البترول في تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، وتطوير التنمية في البلاد.

إننا من باب الإشفاق على الليبيين، والخوف على ليبيا، نتمنى ألا تخدع الليبيين الكلمات المعسولة، وألا تجذبهم إغراءات العدو، وبالتالي فلا ينساقون وراء تدخلات تريد أن تبقي ليبيا على وضعها الراهن، بينما كل هذه التحديات يمكن تجاوزها وهزيمتها بالإرادة والشعور بالمسؤولية والجلوس على طاولة الحوار بحس وطني لا ينخدع.

إن أحداً لن يكون منتصراً في معركة هذا السباق على السلطة، فالجميع سوف تطالهم نار هذا الطمع الوظيفي، والجميع أمام مسؤوليتهم في الحفاظ على بلادهم، في ظل تكالب الأعداء والطامعين من الغرباء في ثرواتها، مستفيدين من الخلافات والصراعات على السلطة بين الليبيين أنفسهم.