نهار السبت الماضي، وخلال مؤتمر العمل السياسي المحافظ في مدينة دالاس بولاية تكساس الأميركية، لمَّح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى أنه يخطط لخوض المعركة الرئاسية 2024. ففي أقوى تصريح له في الفترة الأخيرة قال ترمب: «لقد ترشحت مرتين، لقد فزت مرتين، وحصلت على أداء أفضل في المرة الثانية مما فعلت في المرة الأولى. لقد حصلت على أصوات أكثر من أي رئيس في تاريخ بلدنا إلى حد بعيد». وأردف: «الآن قد يتعين علينا القيام بذلك مرة أخرى».
لم يكن هذا هو التلميح الوحيد، فقد سبقه في شهر يوليو (تموز) الماضي تصريح مماثل، أكد فيه أنه واثق من قدرته على الفوز في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، إذا اختار أن يسعى لإعادة انتخابه.
جاءت تلك الكلمات في خطاب استمر لمدة ساعة ونصف ساعة، بدعوة من معهد «أميركا فيرست بوليسي» الذي يديره حلفاء لترمب يؤمنون بقدرية عودته إلى البيت الأبيض.
ما الذي تعنيه تلك التصريحات الأخيرة لترمب؟
حُكماً هناك من يقف خلفه، ويصوغ له أفكاره وينسقها ويرتبها، قبل أن يضبط له إيقاع كلماته، وليس سراً أن بين هؤلاء اختصاصيين في مخاطبة ذاكرة الجماهير، والعمل على إبقاء بعض الحقائق في دائرة الوعي، مهما يكن من أمرها، وما إذا كانت حقائق أم أكاذيب، ومنها إصراره على القول إنه الفائز في انتخابات 2020، ما يطلق مزيداً من الحماس في صفوف مريديه الذين بلغوا عند لحظة بعينها من يناير (كانون الثاني) 2020 نحو 74 مليون نسمة.
الأمر الآخر، هو أن ترمب يعزف على أوتار «الفشل» -إن جاز التعبير- الذي تسببت فيه إدارة الرئيس بايدن، أو هكذا يحاول تصوير المشهد، عبر خليط من الحقائق، وبعض من الإثارة الهوليوودية من دون شك.
تصريحات بايدن تجيء في وقت تزداد فيه هوة الشقاق والفراق بين الأميركيين، وبنوع خاص من حول سياسات الإدارة الحالية التي انخفضت معدلات قبولها بين الأميركيين إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، وسط ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع أسعار الوقود، وتفجر معدلات الجريمة، ناهيك عن فشل سياسات الهجرة الليبرالية.
لم تفلح قصة تصفية زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، في إكساب بايدن أو الديمقراطيين مزيداً من الزخم، وبالقدر نفسه لم تُحدث زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان، حراكاً إيجابياً على المستوى القُطري الأميركي، كان يمكن أن يضاف للديمقراطيين؛ بل على العكس، ربما جاءت النتائج عكسية، عبر إثارة التنين، وتعريض العلاقات الصينية- الأميركية لمزيد من المخاطر، أمس واليوم وغداً.
رسالة ترمب للجماهير المحبَطة من الأميركيين، هي أن «القصة لم تنتهِ بعد، وأنه يستعد لعودة مذهلة، وما من خيار آخر».
على أن التساؤل المثير: «متى سيعلن ترمب قراره؟».
يبدو أن الرجل قد اتخذ قراره بالفعل، وهي خطوة تستبق الديمقراطيين المرتبكين؛ لا سيما من جراء بعض تصريحات بايدن ولو بشكل غير قاطع، عن ترشحه لسباق الرئاسة 2024.
لكن، ولكي يزيد ترمب أجواء الإثارة، يؤكد أن القرار الوحيد الذي لم يتخذه بعد هو ما إذا كان سيصدر إعلانه قبل أو بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
في هذا السياق، يبدو الأمر الأقرب إلى الحدوث، هو أن يعلن ترمب عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة 2024، خلال شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، وفي أوج احتدام معركة الجمهوريين مع الديمقراطيين للفوز بأغلبية النواب والشيوخ مرة واحدة، وهو الأمر المحتمل بقوة.
ترمب يوماً تلو الآخر يتحول إلى عرَّاب للمرشحين الجمهوريين، في طول البلاد وعرضها، ومن شمالها إلى جنوبها، وكأنه بهذا يكرس حملته الانتخابية الرئاسية مبكراً جداً، ويخلف وراءه الديمقراطيين الذين وصفهم «الفتى المعجزة» كارل روف الذي ضمن لجورج بوش الابن البقاء لفترتين في البيت الأبيض، بأنهم ليسوا بذلك الغباء، لترشيح رجل يبلغ من العمر 82 عاماً، ويجد صعوبة في تركيب جملتين، في إشارة لا تخطئها العين للرئيس الحالي جوزيف بايدن.
هل طريق ترمب إلى البيت الأبيض معبَّد للمرة الثانية؟
بالقطع ذلك ليس كذلك، فخلف الباب تحقيق مطول تشهده لجنة تابعة لمجلس النواب الذي يهيمن عليه الديمقراطيون، بشأن أحداث اقتحام الكونغرس.
لم يستبعد وزير العدل الأميركي، ميريك غارلاند، محاكمة ترمب، فقد صرح بالقول: «نعتزم محاسبة كل من يتحمل المسؤولية الجنائية عن دوره».
ترمب يعتبر اللجنة «لصوصاً وقراصنة»، ويخبر أنصاره بأنها: «تريد الوصول إليه كي لا يتمكن من العمل لأجلهم بعد الآن».
أي انطباع يخلفه ترمب على صعيد الحياة السياسية الأميركية، وأي عنف يمكن أن تشهده البلاد حال محاسبة ترمب بالفعل؟
لقد وعد بتفاصيل إضافية خلال الأسابيع القادمة... دعونا ننتظر.