بين عبد الله القصيمي وسلمان رشدي شبه كبير، كلاهما متمرد، الأول كان رجل دين من الطراز الرفيع، وألّف كتابه الشهير «الصراع بين الإٍسلام والوثنية» سرت به الركبان حتى قيل «القصيمي بكتابه هذا دفع مهر الجنة»، ثم تطوّرت أفكاره، وكانت نقطة التحوّل كتابه الذي هو رسالة ودية إلى الملك عبد العزيز بعنوان «هذي هي الأغلال»... في 1946 كانت لديه استشرافاته، طالب تحدث عن موضوع المرأة، وتنبأ بالأحداث الإرهابية قبل حدوثها، بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) كتبت عنه الـBBC تحت عنون «المفكر الذي تنبأ بأحداث الإرهاب قبل نصف قرن»؛
وذلك استناداً إلى قوله في الكتاب «إننا نعتقد أن هذه الجماعات المنسوبة إلى الدين، الناطقة باسمه، لو أنها استطاعت الوثوب على الحكم ووضعت السلاح في يدها، لحكَم البشر عهد من الإرهاب يتضاءل إزاءه كل إرهاب يستنكره العالم اليوم، وهذا أمر يجب أن يعرفه أولو الرأي والمقدرة وأن يحسبوا له الحساب قبل فوات الأوان، ولن تجد أقسى قلباً ولا أفتك يداً من إنسان يثب على عنقك ومالك، يقتلك ويسلبك، معتقداً أنه يتقرّب إلى الله بذلك، ويجاهد في سبيله، وينفذ أوامره وشرائعه، والسوء لمن ناموا على فوهة البركان قائلين: لعله لا ينطلق».


بعد هذا الكتاب شنّ المتطرفون حملة شعواء على القصيمي ووشوا به لدى الملك عبد العزيز، منهم من قال، إنه يريد «منصب الفتيا»، ومنهم من افترى عليه مثل صلاح الدين المنجد الذي «أنكر سعوديته» مع أن القصيمي - كما كتب الباحث محمد السيف - سعودي صميم ومن بيت الصعيدي، وأمه موضي الرميح من المليدا ببريدة.


وبسبب هذا الكتاب تعرض القصيمي لمحاولة اغتيال لم تتم. يروي عبد الله القفاري عن راشد المبارك على لسان القصيمي هذه القصة «كان ضمن يومياتي في المساء أن أتردد على مقهى قريب من منزلي، وذات مرة رأيت شاباً بالزي العربي النجدي يجلس في زاوية منه. استرعى انتباهي فدعوته وجلسنا سوياً وبدأت أتحدث معه، سألته: من هيئتك العربية ولهجتك أنت قادم من السعودية على ما أظن، فأجاب: نعم. فسألته مرة أخرى: هل جئت في تجارة؟ قال: لا، قلت: هل جئت للدراسة، فأجاب بالنفي. كان شاباً من هيئته وحديثه يبدو أن لديه علماً شرعياً وأسلوباً متعلماً... تجرأت عليه، وقلت له: لماذا أنت في القاهرة؟ تردد بعض الشيء، إلا أنه ربما بدأ يثق بمحدثه فقال: جئت أبحث عن شخص يدعى عبد الله القصيمي وعلمت أنه يسكن قريباً من هنا. سألته: وماذا تريد منه؟ أجاب: لقد ألّف كتاباً يخرجه من الإسلام، وقد أُفتينا بأنه زنديق يحل قتله، ومن يفعل فإنه ينال الأجر العظيم. سألته: هل تعرفه؟ قال: لا، هل جلست إليه؟ قال: لا... قلت له: هل قرأت كتابه؟ قال: لا... قلت له: إذا كان بعض هؤلاء يرون الأجر العظيم بقتل هذا الزنديق أليس هم أولى بالظفر به... هل يحبونك أكثر من أنفسهم أو أبنائهم لتظفر أنت فقط بهذا الأجر العظيم وحدك؟ هل يؤثرونك على أنفسهم؟... ألا ترى أنك يمكن أن تزهق نفساً بغير خطيئة وأنك تسير بالوكالة عن قاتليه؟ لقد كان هذا الحوار مفتاحاً مناسباً لإثارة عقل هذا الشاب، فرأيت أنه فعلاً بدأ يستعيد وعيه بهذا المعنى... وبعد عدة أيام كشفت له عن شخصيتي بعد أن شعرت أن مشروعه بدأ يفقد أهميته لديه... بل إنه اعتذر عنه. أما هذا الشاب - آنذاك - فهو لم يعد شخصية نكرة فيما بعد، لقد أصبحت له جهود طيبة في طلائع المجاهدين في فلسطين في عام 1948 في الفيلق العربي. وقد نشر عدة كتب بقيت أثراً جميلاً بعد رحيله».


بقيت السعودية عادية مع القصيمي مع أنه متهم بالإلحاد، ولكن قوبلت حجته بالحجة، ربطته علاقة وطيدة مع الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري، وكتب عن مناظرته مع القصيمي كتابين هما «لن تلحد» و«ليلة في جاردن ستي»، وبينهما من القصص الكثير، ويروي الأستاذ محمد السيف، أن الأمير نايف قال لابن القصيمي فيصل «مهما قيل في والدكم وسيقال إلا أنه لا يباع ولا يشترى».

حاول عبد الناصر استمالته ولكنه دمره بكتاب كامل بعنوان «العرب ظاهرة صوتية». بقي يتردد على السفارة السعودية في كل يومٍ وطني موالياً ومحباً لوطنه لم ينجح اليمنيون في استمالته، بل حين جربوا ضربهم ضربة مزدوجة مع عبد الناصر بكتب منها «عاشق لعار التاريخ» و«كبرياء التاريخ في مأزق».


على النقيض من النظام الإيراني، دعمت السعودية الأفكار والمفكرين، دعم الملك عبد الله أوّل ترجمة عربية للفيلسوف الألماني إيمانويل كانط التي ترجمها الشيباني، وكتب على الغلاف «إلى الأمير - آنذاك - عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، العربي فطرة وأخلاقاً وسلوكاً، أهدي هذا الكتاب»، ودعم الأمير طلال بن عبد العزيز مجموعة من المفكرين، منهم محمد عابد الجابري الذي أهداه كتابه حول «القرآن الحكيم»، وبقي الملك فهد يتقصى أحوال القصيمي هو والأمير نايف رغم تمرد القصيمي الفكري الشديد. والملك سلمان يرأس مجلس أكبر مؤسسة توثيق تاريخي وهي «دارة الملك عبد العزيز»، والأمير سطام أنتج وأشرف على أكبر موسوعة عربية على الإطلاق.

هذا هو الفرق بين السعودية، وبين نظام إيراني إرهابي مارق زعيمه يفتي بقتل شخص أصدر رواية مثل سلمان رشدي، فتوى الخميني 1989 أيدها خامنئي في 1997 وأيدها ذراعهم نصر الله في خطاب متلفز، إن محاولة اغتيال سلمان رشدي توضح الفرق بين السعودية التي تدعم المفكرين وتناصر التنوير وبين إيران المارقة. حين تعرّض تركي الحمد الروائي السعودي للتهديد بالاغتيال وصدرت فتوى حمود العقلا الشعيبي ضده عام 2000 تقريباً انتصر له الملك عبد الله، استقبله كما يروي الحمد في مقرّه البري بروضة خريم وسلم عليه وحين انتهى اللقاء أهداه الملك عبد الله قلمه الشخصي ومعنى الإهداء «ارقد وآمن».

هذه رسالة لا بد للعالم أن يفهمها، نحن مجتمع مسالم، نحاجج الحجة بالحجة، أما النظام الإيراني فزعيمه يصدر فتاوى إهدار الدم، هذه قصص للتاريخ لعلّ البعض من العرب المناوئين لمجتمعي السعودي، وللدولة السعودية يعرفون أننا بفطرتنا أهل ضيافة ومودة وتسامح ولا نؤيد قط فتاوى التكفير ولا ثقافة الاغتيال.