مرت بضعة أيام على تسليم إيران ردها على نص المقترح الأوروبي الذي جرى التفاوض بشأنه في الجولة الأخيرة من اجتماعات فيينا الأسبوع الماضي. بضعة أيام ولا يزال الغموض يخيم على المواقف النهائية،إما لإيران أو للأوروبيين أصحاب النص الأساسي، أو حتى للطرف المعني أساساً بإعادة إحياء الاتفاق أي الولايات المتحدة. فلغاية الآن لم يصدر موقف أميركي واضح بشأن الرد الإيراني الذي وصل إلى أيدي منسق السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، فسارع إلى إرساله إلى واشنطن. وحدها تصريحات مقتضبة وعمومية صدرت عن الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس الذي لم يرد أن يذهب بعيداً في كشف تفاصيل الرد الإيراني. مثله فعل كبير المفاوضين الروس ميخائيل أوليانوف عندما ظلت تصريحاته إيجابية لناحية تأكيده تحقيق تقدم، وازدياد احتمالات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، لكنه تحدث عن "الشروط" الإيرانية وهي ثلاثة من شأن تحققها قيام إيران بالتوقيع على الاتفاق، وتحدث عن ضمانات بشأن احتمال انسحاب إدارة أميركية مقبلة من الاتفاق، فضلاً عن ضمانات ومزايا اقتصادية تطالب بها طهران لقاء عودتها إلى الاتفاق النووي. أما الإيرانيون فتراوحت فيها المواقف بين تفاؤل الناطق باسم الخارجية قبل أيام، وحذر بعض المسؤولين كالأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني الجنرال علي شمخاني الذي قال بشكل يحمل التأويل: "لن يتم التراجع عن الخطوط الحمراء لإيران، بمعزل عن الوصول لاتفاق بشأن الاتفاق النووي من عدمه". أضاف: "إن المقترح الأوروبي في المفاوضات لم يعط إجابة واضحة". من جانبهم، يميل الإسرائيليون إلى الاعتقاد (أو ترويج اعتقادهم) وفق ما نقل الصحافي الإسرائيلي في موقع "إكسيوس" باراك رافيد عن مسؤول إسرائيلي من أن "إيران تتجه نحو اتفاق نووي وتجهز الرأي العام لمثل هذا السيناريو".

لكن إذا عدنا إلى التقييم الأوروبي بشأن الرد الإيراني فيمكن التوقف عند ما نقلته الصحافية في مجلة "بوليتيكو" الأميركية لورا روزين عن مسؤول أوروبي تحدثت معه (يحتمل أن يكون إما جوزيب بوريل أو كبير المفاوضين الأوروبيين أنريكي مورا) قالت: "سألت مسؤولاً أوروبياً: بماذا أجابت إيران؟ قال: "اقتصر الجواب على مسائل رفع العقوبات". سألتُ: هل معنى هذا أن كل القضايا الأخرى حُلّت؟ أجاب: "ينبغي الحذر من استنتاج كهذا. لكن يبدو أنهم يطرحون أسئلة مخادعة (tricky) حول العقوبات".

هذه عينة صغيرة مما يتردد حول الجواب الإيراني. لكن يبدو أن لا جواب لناحية الإعلان عن أن إيران ستعود إلى الاتفاق. هي اكتفت بإرسال أسئلة تزامناً مع إشاعة أجواء إيجابية حول احتمال الاقتراب من التوقيع على اتفاق. لكن ثمة من يشير إلى أن طهران قد تكون في صدد لعبة تظهر فيها أنها تريد العودة إلى الاتفاق. ملخص اللعبة كما تتحدث جهات إسرائيلية متابعة للملف عن قرب، أن إيران تظهر انخراطها الإيجابي إلى درجة الظهور بمظهر الطرف الذي لانت مواقفه من أجل تجنب احتمال تعرضها لإدانة جديدة في الاجتماع المقبل لمجلس محافظي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" المنتظر في شهر أيلول – سبتمبر المقبل، وربما فرض عقوبات "سناباك" عليها. ومن هنا قد تكون الطرف الذي بادر إلى لعب ورقة تقاذف الملامة مع واشنطن في حال فشل التوصل إلى اتفاق.

إنها لعبة مشبعة بمناورات سياسية وإعلامية متبادلة بين طهران وواشنطن. ففي الوقت الضائع الحالي، ظهر تنازل إيرانى عن شرط رفع "الحرس الثوري" الإيراني عن لوائح المنظمات الإرهابية الأميركية، وفشلها في تجاوز مسألة المواقع الثلاثة المشبوهة التي عثر فيها مفتشو الوكالة على بقايا مواد نووية عالية التخصيب، حيث لا تزال الوكالة تصر على الحصول على أجوبة مقنعة. لكن الكرة التي يتقاذفها الطرفان، وبينهما الأوروبيون والروس والصينيون، لا تزال في قلب الملعب. كل هذا مع الشكوك التي تلف الموقف الروسي الضمني. فقد يكون من مصلحة موسكو أن تبقى قضية الاتفاق النووي معلقة بين إيران والغرب، تلافياً لعودة إيران إلى أسواق الطاقة العالمية، حيث تدور هناك منافسة شرسة بينها وبين روسيا على كسر أسعار النفط بعدما عادت إيران إلى الأسواق جزئياً، مع تعرض روسيا لعقوبات غربية على خلفية حربها على أوكرانيا. إذاً فإن الحليفين في مكان ما متنافسان، وبقوة.

كل هذه الغيوم والغموض تدعو الكثيرين، بينهم الكاتب الأميركي فريد زكريا، إلى طرح سؤال يذكّر ببرنامج ألعاب تلفزيوني شهير كان اسمه: Deal Or No Deal؟