تعيش أفغانستان حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي والأمني رغم مرور عام على الانسحاب الأمريكي من بلاد تورا بورا، فالتفجيرات الإرهابية التي يتبناها تنظيم داعش لا تتوقف، وقال تقرير للأمم المتحدة في أبريل الماضي، إنّ قوة تنظيم داعش تضاعفت ثلاث مرات، وباتت أكثر قدرة على حشد عناصر جديدة والحصول على تمويلات ضخمة، كما أن 73 في المئة من الشعب الأفغاني أصبحوا تحت خط الفقر، وهناك مخاوف أن ينخفض الناتج القومي نحو 12.5 في المئة بنهاية هذا العام، وهو ما سيؤدي إلى تحوّل كل الشعب الأفغاني البالغ 38 مليون نسمة إلى دائرة الفقر المدقع، فهل من خريطة طريق حتى يأتي شهر أغسطس العام القادم وتكون أفغانستان قوة للاستقرار والسلام العالمي؟.

ثقافة سلام

لا يمكن أن يدّعي العالم أنه يساعد أفغانستان لكي تعود كدولة طبيعية للمجتمع الدولي دون أن نأخذ في الحسبان أكثر من خمسة عقود لم يعرف فيها الشعب الأفغاني إلا الحروب الأهلية، فمنذ الاحتلال السوفيتي لأفغانستان عام 1979 وحتى يومنا هذا لم تشهد أفغانستان أي مرحلة حقيقية من الوحدة والسلام السياسي والاجتماعي طوال أكثر من 50 عاماً، ولهذا من الطبيعي أن تقول تقارير الأمم المتحدة وغيرها إنّ عناصر كثيرة من طالبان بدأوا التحول عنها عندما دخلت كابول، وقالوا إنهم لا يعرفون سوى القتال، والتحق جزء كبير من هؤلاء بتنظيمات أخرى مثل داعش والقاعدة، وهنا يجب على المجتمع الدولي أن يساعد أفغانستان للتحول من ثقافة الحرب إلى ثقافة السلام، وأن يكون هناك فرص عمل وأهداف تتعلق بالبناء والإعمار، وهنا يمكن للولايات المتحدة أن تفكر في رفع التجميد عن مليارات الدولارات التابعة للبنك المركزي الأفغاني والتي جمّدها الرئيس جو بايدن، فهذه الأموال ضرورية ليس فقط لتيسير الحياة اليومية، بل ومهمة أيضاً لدعم نظرية التحول من العمل بالسلاح والحرب إلى البحث عن كيفية دمج المسلحين في قطاعات الإنتاج المدني، خاصة في مجالات الزراعة وتوفير الخدمات التي يعاني منها ما يقرب من ثلثي الشعب الأفغاني، كما أن الصين التي تعهدت بدعم البنية التحتية في أفغانستان وتقديم مساعدات اقتصادية تستطيع أن تكسب مكاناً ومكانةً مهمةً في عقول وقلوب الأفغان في هذا التوقيت الصعب الذي يعاني منه جميع الأفغان بلا استثناء.

مقاربة جديدة

من مصلحة جميع دول العالم أن يسود السلام والاستقرار في أفغانستان، فليس هناك من طريق أمام الهند لضمان محاصرة وتجفيف مجموعات «لشكر طيبة» الإرهابية إلا دعم الحكومة الأفغانية لمنع هذه العناصر من العمل والانطلاق من الأراضي الأفغانية، كما أن روسيا تستطيع أن تساعد الحكومة الأفغانية على ضبط الأمن، فموسكو تخشى تمدد عناصر «ولاية خراسان» التابعة لداعش إلى جنوب القوقاز ودول آسيا الوسطي، خاصة في قيرغيزستان وطاجاكستان التي يوجد بها قواعد عسكرية روسية، كما أن الاستقرار الأمني جزء طبيعي من المصالح الصينية والباكستانية في أفغانستان، فالمعروف أن عناصر داعش في أفغانستان يتركزون قرب الحدود الأفغانية مع إقليم شينجيانج الصيني، وإضعاف وإبعاد تلك العناصر الداعشية عن الحدود الصينية تصب في صالح الأمن القومي الصيني، فضلاً عن خطورة أن تجد حركة «طالبان باكستان» ملاذاً آمناً في أفغانستان على المصالح الأمنية الباكستانية، كما أن الدول الغربية عليها أن تبذل قصارى جهدها لاستقرار ودعم أفغانستان، فالتاريخ شاهد على أن العالم لا يمكن أن يكون مستقراً بدون عودة أفغانستان كرقم فاعل في معادلة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

الحكمة تقول، إنّ إلقاء اللوم على حكومة كابول لأنها لم تتخذ خطوات كبيرة لفك الارتباط بالقاعدة أو إعطاء المرأة مزيداً من الحقوق سوف يضعفها أكثر وأكثر، بينما على العالم أن يفكر في «مقاربة مختلفة» تقوم على تشجيع العناصر المعتدلة في الحكومة الأفغانية حتى تسود وتنتشر الأفكار المعتدلة على الأفكار القديمة.