يوجد حالياً أكثر من 3 ملايين روبوت صناعي يعمل في المصانع عبر أرجاء المعمورة، وفقًا للاتحاد الدولي للروبوتات، ويقوم 3 ملايين روبوت آخر بالعديد من العمليات الأخرى مثل نقل البضائع حول المستودعات وتنظيف المنازل وجز العشب ومساعدة الجراحين في إجراء العمليات؛ وبدأ بعضها أيضًا في تسليم البضائع، سواء برَّاً أو جوًّا.

وفقًا لتقرير جلوبل داتا الصادر في سبتمبر 2021، بلغت قيمة صناعة الروبوتات 45 مليار دولار عام 2020، وبحلول عام 2030، ستنمو بمعدل سنوي مركب من 29% إلى 568 مليار دولار، مما يؤدي إلى زيادة الوظائف في مجال الروبوتات والصناعات ذات الصلة. ومع مرور الوقت يُنتج روبوتات أكثر ذكاءً واستقلالية وأفضل مرونة بالحركة، ويعتقد العديد من الخبراء أن الروبوتات ستتمكن يومًا ما من محاكاة السلوك البشري وإدارة المهام بطريقة شبيهة بالبشر.

في كثير من الحالات يغني الروبوت الواحد عن العديد من العمالة، فهل سيتم الاستغناء عن البشر في الكثير من الأعمال ومن ثم تتفاقم مشكلة البطالة، لاسيما أن الأتمتة في تزايد متواصل؟ الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم أوضحت في اجتماع 2022 استمرارية تنامي وتيرة الأتمتة، نتيجة سببين رئيسيين. الأول هو أن جائحة كورونا أدت إلى تغييرات اجتماعية من المرجح استمرارها، نتج عنها خيارات العمل من المنزل وخلق فرص عمل جديدة، إضافة لتعثر سلاسل التوريد والازدهار في التجارة الإلكترونية، وترك المستودعات والعديد من الشركات الأخرى تكافح لتوظيف العمال.

هناك أبحاث حذرت من أن تنامي الروبوتات ستقضي على الوظائف في التصنيع التقليدي، فقد أظهرت ورقة علمية أن 47 في المائة من الوظائف في الولايات المتحدة معرضة لخطر الأتمتة «على مدى بعض السنوات غير المحددة» (مايكل أوزبورن وكارل بينيديكت، 2017). لكن تم انتقاد هذه الادعاءات على أساس أن السياسة الاجتماعية وليس الذكاء الاصطناعي هي التي تسبب البطالة.

ظهور الروبوتات يجعل بعض الناس يخشون على وظائفهم ويسألون كيف سيكسبون لقمة العيش، لكن لا تبدو الصورة بهذه السلبية بل ربما على العكس وفقًا لبعض الخبراء، الذين يرون أن الفرص الوظيفية لن تتقلص بسبب الروبوتات بل ستتعدل وقد تزيد، فهذه الآلات ستقوم بالأعمال الشاقة والمملة؛ بينما سيقوم البشر بالأعمال السهلة، فضلًا عن أن عدم وجود عمال بشر على أرض المصانع، لا يزال حلمًا بعيد المنال حسب تقرير لمجلة الإيكونيميست.

يقول الدكتور كريستنسن (مدير معهد الروبوتات السياقية في جامعة كاليفورنيا): أن الوظائف التي تقوم بها الروبوتات عادة ما تكون مملة ومتكررة وشاقة؛ وبعد جائحة كورونا أصبح شغل مثل هذه الوظائف أكثر صعوبة. في العديد من الصناعات، لا تكون الرغبة في تقليل تكاليف العمالة هي التي تدفع الأتمتة بقدر ما تكون الصعوبة الكبيرة لتوظيف عمال من لحم ودم لتلك الأعمال. في الواقع، بدلًا من القضاء على الوظائف، يمكن للروبوتات أن تخلقها عن طريق جعل الشركات أكثر كفاءة، مما يسمح للشركات بالتوسع. كما يشير الدكتور كريستنسن فالتوظيف في التصنيع بأمريكا نما خلال العقد الماضي حتى مع زيادة عدد روبوتات المصانع.

لكن هناك خوفًا مماثلًا في مجال الرعاية الصحية من أن الروبوتات ستقضي على الوظائف. «إن هذه خرافة» تقول الدكتورة ميشيل جونسون مديرة مختبر روبوتات إعادة التأهيل بجامعة بنسلفانيا، وتعمل حاليًّا في بوتسوانا على طرق استخدام الروبوتات لمساعدة الناس على التعافي من المرض والإصابة. وتضيف أنه حتى في أمريكا، ناهيك عن إفريقيا، «لا يوجد عدد كافٍ من الأطباء للقيام بهذه المهمة». لدى الدكتورة جونسون اهتمام خاص بمساعدة الناس على التعافي من السكتات الدماغية. يتطلب هذا أحيانًا علاجًا مكثفًا لفترات طويلة. لكن أنظمة الرعاية الصحية العامة غالبًا ما تكون مرهقة للغاية بحيث لا تقدم سوى العلاج المحدود. هنا يمكن أن تساعد الروبوتات، وفي بعض الحالات قد تكون أفضل حتى من أخصائي العلاج الطبيعي البشري، لأنها لا تعرف الكلل ولا الملل ويمكن الاعتماد عليها. يمكن لهذه الآلات تمرين أطراف الشخص بحركات متسقة، وإجراء قياسات موضوعية للتعافي. تقول الدكتورة جونسون، إن هذا يسمح لمعالج مهني واحد، يساعده فني، برعاية ستة أشخاص أو نحو ذلك من المرضى، بينما الطريقة البشرية يتم فيها الرعاية فردًا لفرد.

إلا أن الروبوتات بحاجة إلى مزيد من الدقة والبرمجة منعًا للخطأ والاصطدام بالبشر، إضافة لتدريب الناس على التعامل معها.. تقول الدكتورة جولي شاه، التي تقود مجموعة الروبوتات التفاعلية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «تؤدي معظم الروبوتات مهامًا محددة بدقة، حيث تستخدم الأجهزة المحمولة مستشعراتها لتجنب الاصطدام بالناس.. وتحتاج الروبوتات إلى رؤيتنا على أننا أكثر من مجرد عقبة أمام حركتها.. إنها بحاجة إلى العمل معنا وتوقع ما نحتاج إليه.» لذا تقوم الدكتورة جولي وزملاؤها على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي يمكنها تعليم روبوت باستخدام أوامر اللغة الطبيعية، وبرمجة روبوتات مع شخص على دراية تامة بالمهام المطروحة، إلى جانب مهندس روبوت. يبدو أن عملًا هائلًا ينتظر علماء الروبوتات والمنظمين لتحديد كيفية عمل الآلات والأشخاص معًا فلا زال المشوار في بداياته.