في عالم متسارع النمو، وفي ظل التطور الصناعي والتقني الذي يشهده العالم، فإن إمدادات الطاقة وديمومتها لا تقل أهمية إطلاقا عن الإمدادات الغذائية، بل إن استقرار الأولى هي استقرار للأخيرة بلا شك. لذلك تضع دول العالم أمن الطاقة على رأس قائمة أولوياتها، وتعمل كل ما يلزم للمحافظة على صحة وسلامة الشرايين التي تغذيها، لكونها تعي يقينا أن قضية أمن الطاقة هي قضية وجودية، وأي اختلال في منظومتها سينعكس عليها اقتصاديا وصناعيا واجتماعيا وغيرها.
قطاع الطاقة يجري عليه ما يجري على القطاعات الأخرى، يمر بالتحديات ويواجه العقبات ويجد نفسه أحيانا في ظروف طارئة غير متوقعة لم تكن في الحسبان. بين المتوقع وغير المتوقع، هذه طبيعة أسواق النفط العالمية منذ نشأتها، تتأثر بالحروب أحيانا، وأحيانا تجد نفسها أمام نمو مطرد للاقتصاد العالمي الذي يرفع الطلب على النفط بصورة لافتة، أو ركود اقتصادي يجثم على صدرها ويصيبها بتخمة نفطية بسبب زيادة المعروض وانخفاض الطلب بصورة كبيرة. هذه العقبات والتحديات التي تواجهها أسواق الطاقة عموما، وأسواق النفط خصوصا، تتطلب وجود ضابط للسوق وإيقاعه بما يخدم مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء.
الجدير بالذكر أن الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، سئل في لقاء له مع "إنيرجي إنتلجنس" الأسبوع الماضي، عن نية "أوبك +" في الدفاع عن نطاق سعري معين؟ فكان رده صريحا واضحا أن "أوبك +" لا تستهدف أسعارا أو نطاقات سعرية معينة، وإنما تهدف إلى دعم استقرار السوق، وتوازن العرض والطلب للمشاركين في السوق والصناعات البترولية. التصريح هو ترسيخ لجوهر سياسة إنتاج النفط السعودي، وأنها تتبنى سياسة معتدلة وعادلة لخدمة مصالح المنتجين والمستهلكين، لا كما يود بعض الجهات والأقلام تصويره.
التاريخ القريب يفند هذه الادعاءات المضللة، فقد مرت أسواق النفط بكثير من التحديات التي انعكست على استقرار أسعارها وأدت إلى اختلال توازنها. أحيانا تحتاج أسواق النفط إلى "مشرط الجراح" للتدخل العاجل لمواجهة حدث طارئ، إما بزيادة الإنتاج وإما بخفضه، ومن الأمثلة القريبة على تدخل "أوبك" لعلاج الأسواق، جائحة كورونا التي نحرت الاقتصاد العالمي من الوريد إلى الوريد وهددت أنشطته، وعلى رأسها بلا شك القطاع النفطي، الذي تأثر بصورة قوية بسبب الحظر الكلي أو الجزئي الذي شمل جل دول العالم، إضافة إلى التخمة النفطية التي كانت تعانيها الأسواق منذ مدة، أدت إلى تحرك قوي وفاعل من المنتجين المؤثرين، بقيادة السعودية، لمنع انهيار الأسعار أو استمرار انهيارها بخفض الإنتاج، ما أدى إلى عودة الأسعار إلى مستويات تخدم مصالح المنتجين والمستهلكين.
لوقاية أسواق النفط من خطر شح الطاقة، تقود السعودية توجها حكيما وموضوعيا لتعزيز حقيقة أن دعوات تقويض صناعة النفط والاستثمار فيه، هي في الحقيقة أصوات مجانبة للحكمة ولاستشراف مستقبل الطاقة بموضوعية، وأنها خطأ استراتيجي سيؤدي على المدى المتوسط، إلى شح في الطاقة واختلال أمن الطاقة العالمي، سيعانيه المستهلكون قبل المنتجين. لأمن عالمي للطاقة، يجب أن يعي العالم يقينا أن مشرط الجراح الخبير موجود وفي يد أمينة لعلاج كل طارئ، وأن وقاية أسواق الطاقة من شح الطاقة - لا قدر الله - تعني بالضرورة الإنصات لصوت الحكمة، وفي السعودية يجدون ضالتهم.
التعليقات