غطّت الصحف ووسائل الإعلام العربية والعالمية بصور مختلفة الاحتجاجات الواسعة التى أعقبت مقتل الفتاة الإيرانية «مهسا أميني» نتيجة اعتداء «شرطة الأخلاق» عليها بسبب عدم ارتدائها الحجاب بشكل مناسب، وتفاوتت طريقة التعامل مع الحدث/ الخبر وفق السياسة التحريرية لكل منصة ودون الوقوع في جريمة «فبركة الخبر» أو تلفيقه.

فالجزيرة على سبيل المثال تتابع بشكل جيد ما يجرى في إيران، ولكنها ركزت بشكل واضح على قضية الاتفاق النووي، واستضافت في عز الانتفاضات الواسعة التى شهدتها إيران في «حصاد اليوم» مدير قسم إيران في مجموعة الأزمات الدولية ليتحدث عن التعثرات التى تواجه التوقيع على الاتفاق النووي، وتجاهلت تمامًا الخبر الأول في معظم وسائل الإعلام الكبرى وعلى مواقع التواصل الاجتماعي داخل إيران وخارجها، وهو خبر وفاة الفتاة الإيرانية «مهسا أميني» والاحتجاجات المستمرة عليها حتى اللحظة.

هذا الخبر يأتى حتى اليوم بشكل عابر في الجزيرة، واستمرت في التركيز على الاتفاق النووي طوال الأسبوع الماضى، على عكس باقى الدنيا بما فيها منصات ليست معادية لإيران، والتى أعطت مساحات تغطية واسعة لجريمة مقتل الفتاة الإيرانية.

أما قناتا العربية والحدث، وبدرجة أقل سكاي نيوز، فقد ركزت على الحدث/ الخبر وغطّت بشكل مكثف الاحتجاجات وأعطت مساحات واسعة لمعلقين سياسيين معارضين للنظام الإيراني، أما بى بى سى وفرنسا ٢٤ فقد غطتا الحدث/ الخبر بكثافة واستدعتا معلقين بعضهم من داخل إيران من المؤيدين العقلاء للنظام، مع آخرين معارضين خارج إيران.

يقينًا، لقد عالجت كل القنوات الكبرى العربية والعالمية خبر الاحتجاجات الإيرانية أو خبر التعثر في التوقيع على الاتفاق النووي بشكل مختلف على ضوء السياسة التحريرية لكل منصة إعلامية، ودن أن تقع أي قناة في فبركة أي خبر، فلم يقل أحد مؤيد لإيران إن الفتاة لم تُقتل أو إن الموساد هو الذي قتلها، بل إن الرئيس الإيراني أقر بأن مقتلها كان خطأ وحادثًا مؤسفًا، وأضاف أنه مع حق التعبير السلمي عن الرأي، ولكنه يرفض العنف في الاحتجاجات، كما لم تُجوِّد المنصات- الرافضة للسياسات والنموذج الإيراني- في الخبر، وتقل إن مَن ماتوا في مخفر الشرطة مع الفتاة عشرة أشخاص مثلًا.

ولذا يخطئ، وربما يجرم، البعض حين يقول إنه لا يوجد إعلام مهني لأن هذا يعنى تشجيع الأخبار المغلوطة والمختلقة والشتائم والسب والقذف، في حين أن المعنى الحقيقى لجملة مهنية الإعلام تعنى أساسًا الدقة والأمانة في نقل الخبر.

إن التغطية الصحفية والإعلامية، التى تقوم بها مختلف وسائل الإعلام الكبرى في العالم لأخبار كثيرة تجرى حولنا سواء في إيران أو غيرها، تقول إن العالم تجاوز- حتى حين ينحاز- إعلام الدعاية السياسية والخبر المفبرك لصالح قراءات وتحيزات مختلفة في التعامل مع خبر صحيح.