في احتفال ضخم شهدته العاصمة الروسية موسكو وتحديداً في قصر الكرملين قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوقيع اتفاقية ضم الأقاليم الأربعة الواقعة في شرق أوكرانيا، لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخرسون إلى الاتحاد الروسي، في خطوة تصعيدية سوف تغيّر الكثير من قواعد اللعبة التي تم الالتزام بها من روسيا والغرب على حد سواء. منذ انطلاق ما أسمتها موسكو عملية خاصة، جرى هناك اتفاق ضمني بين الناتو وروسيا حول قواعد اشتباك لا يتم تجاوزها من الطرفين، منها أن حلف الناتو لا يقدم إلى الجانب الأوكراني دعماً بشرياً عبر جنود تابعين للناتو، وكذلك لا يتم تزويد «كييف» بأسلحة يمكن أن تستهدف الأراضي الروسية، بالمقابل لا توسع موسكو من جغرافيا المعركة، بحيث تضرب دولاً أخرى خصوصاً تلك التي تشكّل ممراً للدعم اللوجستي المقدم إلى القوات الأوكرانية، كبولندا على سبيل المثال. هذه القواعد بدت خلال الشهر الماضي بأنها مجحفة بحق روسيا باعتبار الدعم الهائل الذي قدم إلى أوكرانيا والذي تشير بعض التقديرات أنه تجاوز 100 مليار دولار.

والأكثر أهمية من جانب موسكو هو الدعم العسكري وخصوصاً من حيث النوعية، فبعض الأنواع من الأسلحة أرهقت الجانب الروسي مما أدى إلى خسائر فادحة وعلى رأس تلك الأسلحة صواريخ هايمارس، التي ضربت الخطوط الخلفية للجيش الروسي المتقدم في أوكرانيا، وكذا خطوط الإمداد مما أدى إلى إذلال القيادات العسكرية خصوصاً في منطقة خاركيف.

ما فعله بوتين أنه غيّر قواعد اللعبة العسكرية والسياسية في الحرب الأوكرانية، ضم الأقاليم الأربعة يعني أن روسيا أدخلت هذه المناطق ضمن حيز العقيدة النووية، وبالتالي بدأت الدعوات لاستخدام السلاح النووي للدفاع عن هذه الأراضي التي عملياً هي تمثل قلب المعركة الجارية في أوكرانيا.

الخطوة الروسية شهدت تنديداً ورفضاً من قبل الدول الغربية وحتى من الأمين العام للأمم المتحدة، ولكن بعيداً عن هذه المواقف السياسية، الأهم هو الواقع الميداني، وعلى هذا الصعيد قامت الولايات المتحدة ودول أوروبية بالإعلان عن حزم جديدة من المساعدات العسكرية إلى الجانب الأوكراني.

باختصار الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تتعامل مع ملف الحرب الأوكرانية بتجاهل تام لضم تلك الأقاليم إلى روسيا وما تزال تتعامل معها باعتبارها أرض أوكرانية محتلة. الرئيس الروسي سرعان ما سيكتشف أن رسائل ضم المناطق الأوكرانية لم تصل إلى مبتغاها لدى واشنطن وبقية العواصم الغربية، والخشية أن يعتقد أن دعم هذه الرسالة لا تتم إلا من خلال ضربة نووية تكتيكية تثبت جدية موسكو، وهذا ما أشار إليه الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف عندما دعا صراحة إلى استخدام السلاح النووي للتصدي للقوات الأوكرانية المتقدمة باتجاه ليمان، كما دعا إلى ذلك ديمتري مدفيدف نائب رئيس مجلس الأمن القومي.


التطورات الأخيرة والحديث المستهتر عن السلاح النووي واستخدامه ومشاعر النصر والهزيمة والخذلان، واستجلاب التاريخ والبحث عن الأمجاد المفقودة، كل هذه وصفة سريعة للخراب. الحرب الأوكرانية تدفع العالم نحو شفير الهاوية وصوت العقل يخفت رويداً رويداً.