تبدو الأيّام المقبلة حاسمة في إيران، خصوصاً أنّ النظام نفسه بدأ يعي أن ما يشهده البلد بات ثورة شعبيّة حقيقيّة تشمل مناطق عدة وشعوباً إيرانيّة مختلفة. لم يعد أمام النظام سوى اللجوء إلى القمع إذا كان مطلوباً الحفاظ على "الجمهوريّة الإسلاميّة" كما حدّد مفهومها آية الله الخميني عام 1979، عندما سقط نظام الشاه. هل يكفي القمع للحفاظ على نظام لا علاقة له بكل ما هو حضاري في هذا العالم؟
سيتبيّن في الأيّام المقبلة هل لا يزال الخيار القمعي خياراً ناجعاً بعدما تأكّد أن المواطن الإيراني يسعى، كما حصل في سوريا، إلى استعادة بعض من كرامته التي حُرم منها طوال ما يزيد على أربعة عقود.
ليس هناك ما يشير إلى خطورة المرحلة التي تمرّ بها الثورة الشعبيّة الإيرانية أكثر من اضطرار النظام إلى اللجوء إلى "داعش" لتنفيذ هجوم على مقام شيعي في شيراز. لا يشبه لجوء النظام إلى "داعش" سوى ما فعله النظام السوري في مواجهة الشعب السوري ابتداءً من عام 2011. عندما وجد النظام السوري أنّ الشعب السوري، بكلّ فئاته، في ثورة عليه، لجأ إلى"داعش" وما شابه "داعش" للادعاء أنّه يقاتل "الإرهاب".
هذا ما فعله النظام الإيراني في شيراز، حيث قتل ما يزيد على عشرين مصلّياً في هجوم لـ"داعش" على مقام ديني. من أين جاء "داعش" الذي لم يكن في يوم من الأيّام سوى صنيعة النظامين الإيراني والسوري وأداة يستخدمها هذان النظامان في العراق وسوريا؟
جاء الآن دور استخدام "داعش" في إيران نفسها. ليس معروفاً هل سيستطيع "الحرس الثوري" الإيراني استخدام هذا التنظيم الإرهابي لتغطية القمع الذي قرّر اللجوء إليه في ضوء اكتشافه أنّ الأمر لا يتعلّق فقط بحرّية وضع المرأة للحجاب أو عدم وضعه... أو طريقة وضعه؟
من يستمع إلى قائد "الحرس الثوري" حسين سلامي يطلق تهديدات في كلّ الاتجاهات يتأكّد من أن الأيّام المقبلة ستشهد مزيداً من القمع في ظلّ إصرار الجيل الإيراني الشاب، خصوصاً طلاب الجامعات، بما في ذلك جامعات طهران، على متابعة تحرّكهم. لم يتردّد سلامي في شنّ حملة على المملكة العربيّة السعودية، وذلك في محاولة واضحة لتفادي استيعاب أنّ المشكلة مع الشعب الإيراني وليست مع هذه الدولة أو تلك. أكثر من ذلك، يتجاهل المسؤولون الإيرانيون، عندما يتحدثون عن دور أميركي في الداخل الإيراني، أن إدارة جو بايدن تعمل كل ما تستطيع عمله من أجل مراعاة النظام من جهة، والتغاضي عن ارتكاباته من جهة أخرى.
لم يعد الموضوع في "الجمهوريّة الإسلاميّة" موضوع الحجاب وحريّة المرأة والمواطن عموماً. بات الموضوع مرتبطاً بمستقبل النظام الذي لم يستطع إيجاد نموذج يصدّره غير الميليشيات المذهبيّة ونشر البؤس في كلّ مكان صار لديه فيه وجود ما، أكان ذلك في العراق أو سوريا أو لبنان... أو اليمن. أينما صار لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة" وجود، يحل الخراب والفوضى وتظهر على السطح الغرائز المذهبيّة.
يقضي النظام على الثورة الشعبيّة أو يفشل في ذلك؟ الجديد في الأمر أن للثورة الشعبيّة التي تشهدها "الجمهوريّة الإسلاميّة" هذه الأيّام خلفيات مختلفة، خصوصاً أنّها جاءت في وقت باتت مطروحة فيه مسألة خلافة "المرشد" علي خامنئي الذي تجاوز الـ83 من العمر. الأكيد أنّ صراعاً بين مراكز النفوذ يدور حالياً. محور الصراع من سيخلف خامنئي الذي جعل "الحرس الثوري" القوّة المهيمنة على البلد واقتصاده. ليست غريبة تلك الحملة لوسائل إعلام قريبة من "المرشد" على الرئيس السابق محمّد خاتمي، رغم أنّ انتقاداته للنظام كانت ملتبسة إلى حد كبير وبعيدة من الصراحة...
الأهمّ من ذلك كلّه أن التحركات الشعبية شملت كل المناطق الإيرانية وكلّ القوميات، خصوصاً الأذريين. هؤلاء يمتلكون نظرة خاصة بهم إلى إيران من جهة، إضافة إلى أنّهم يمتلكون نفوذاً قوياً سياسياً واقتصادياً في كلّ المجالات، بما في ذلك بازار طهران، من جهة أخرى.
فوق ذلك كلّه، لا يمكن تجاهل انكشاف عمق العلاقة الروسيّة – الإيرانيّة والدور الإيراني في الحرب الأوكرانيّة، عن طريق المسيّرات التي يستعين بها فلاديمير بوتين في حربه على أوكرانيا وشعبها.
إيران إلى أين؟ الجواب الوحيد أن دولة غير طبيعية مثل "الجمهوريّة الإسلاميّة" لا يمكن إلّا أن تكون مقبلة على تغييرات في العمق. ليست المسألة مسألة حصول هذه التغييرات بمقدار ما أنّها مسألة وقت، أي متى ستحصل هذه التغييرات؟
لا يعود ذلك إلى أن الشعوب الإيرانية صارت تعي أنّ النظام لا يمتلك أي حلول غير القمع فحسب، بل لأنّ هذه الشعوب تدرك أيضاً أنّ لا سبيل آخر غير التخلص من النظام... إذا كانت تريد استعادة حريتها والتمتع بثروات إيران، وهي ثروات كبيرة ومتنوعة، في يوم من الأيّام.
- آخر تحديث :
التعليقات