على امتداد أكثر من سبع سنوات، وبموجب مقتضيات الدستور الماضي لعام 2014، كان من الضروري أن تودع الحكومة التونسية البرلمان يوم 15 أكتوبر من كل عام مشروعَ موازنة العام التالي، ليصادق عليها يوم 10 ديسمبر كأقصى موعد، ووضعها موضع التنفيذ. لكن مع إنهاء العمل بهذا الدستور بموجب إجراءات 25 يوليو 2021، تم التخلي عن هذه المواعيد. وقد استفادت الحكومة من ذلك، حيث انتظرت موافقةَ صندوق النقد الدولي «المبدئية» على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار لمدة 48 شهراً، لمساندة السياسات الاقتصادية، وهي تعوّل عليه من أجل بناء فرضيات إعداد موازنة العام المقبل. مع الأخذ بالاعتبار ضرورة الالتزام بشروط الصندوق، خصوصاً الإصلاحات المطلوب تفعيلها، وهي تتلخص بخفض نفقات الدولة والتحكم بكتلة الأجور التي تعتبر نسبتها من الأعلى عالمياً، ومراجعة نظام الدعم تمهيداً لإلغائه، وإصلاح المؤسسات العامة المتعثرة.
ويُستدل من الأرقام الأولية أن الموازنة تقدر بنحو 61.6 مليار دينار (19.25 مليار دولار) وتحمل عجزاً بقيمة 9.3 مليار دينار، أي ما يعادل 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 57.3 مليار دينار موازنة العام الحالي، والتي حملت عجزاً يعادل 9.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق توقعات البنك الدولي. وهذا مع الإشارة إلى أن حجم الديون المستحق سداداها في العام المقبل تقدر بنحو 7.8 مليار دولار.
وبحكم التحديات الاقتصادية الكبيرة على الصعيدين الداخلي والدولي، يبدو أن هامش تحرك حكومة نجلاء بودن لن يكون كبيراً. ويجمع الخبراء على أن سنة 2023 ستكون صعبة، وعلى أن أي خيار سيتم اتخاذه ستكون له كلفة وتأثير اجتماعي سلبي بسبب الإصلاحات الموجعة. وإذا كان عنصر «الاستقرار السياسي» هو أحد أهم شروط نجاح تونس في إنجاز إصلاحاتها الاقتصادية، فهل تستطيع تحقيق ذلك من دون حصول اضطرابات اجتماعية؟
لقد انطلقت تونس في تنفيذ خطة إنقاذ تهدف إلى التخلص تدريجياً من الأزمة الاقتصادية التي تسببت في التخفيض السيادي للبلاد. وقد طلبت من صندوق النقد الحصولَ على قرض بقيمة 4.3 مليار دولار، لكن الصندوق رفض الطلب بحجة عدم تنفيذ الإصلاحات التي تعهدت بها، وكان يضطر إلى وقف الدفع. ففي عام 2013 حصلت تونس على قرض بقيمة 1.5 مليار دولار، ولم يصرف القسط الأخير منه، بينما القرض الممتد لعام 2016 والبالغ نحو 2.8 مليار دولار تحصلت منه على 1.8 مليار دولار. وكذلك شكا الصندوق من أن تونس لم تستكمل سداد الأقساط. ورغم ذلك أعطاها في الآونة الأخيرة فرصةً أخرى بمنحها قرضاً قيمته 1.9 مليار دولار، مع التشدد في مراقبة تنفيذ الإصلاحات.
ولم يكن أمام تونس سوى الترحيب بهذا القرض رغم ضآلته، وقد اعتبرته خطوةً في مسيرتها لاستعادة الثقة الدولية بها، والاتجاه نحو الحصول على قروض إضافية من مؤسسات دولية ودول صديقة وشقيقة. لكنها قد تضطر إلى استمرار الاقتراض الداخلي من المصارف، رغم وجود تحذيرات دولية من لجوء الحكومة إلى إصدار مكثف لسندات الخزينة ومواصلة إقراض المؤسسات الحكومية التي تزيد ديونها غير المحصلة لدى المصارف عن 10 مليارات دولار. وكشف موقع «ذي بنكر» الدولي عن أن المقرضين المحليين، لا سيما مصارف القطاع العام، يواجهون مخاطرَ عاليةً مع وجود نحو 16% من أصول القطاع المصرفي في سندات الخزينة، وودائع لدى البنك المركزي التونسي، وبما يساوي 90% من حجم الموارد المالية الذاتية للمصارف.
أما وكالة «فيتش رايتنغ»، فقد أبدت شكوكاً حول تمكن الموارد المخصصة من قبل المصارف، من تغطية مخاطر الاقتراض في الظروف الحالية التي تتسم بتدهور نوعية الأصول، وارتفاع نسبة القروض المشكوك في تحصيلها.
التعليقات