لم يجمع السوريون قطّ على أمر كما أجمعوا على البهجة بفوز طفلة سورية هي «شام البكور» (سبع سنوات) ببطولة تحدي القراءة.
لقد اكتظت وسائل التواصل الاجتماعي بالتهاني التي تبادلها السوريون، وامتلأت نفوسُهم شعوراً بالاعتزاز بهذه الطفلة الموهوبة. وشاركهم في ذلك أشقاؤهم العربُ.
وتدفقت ينابيع المحبة من فكرة لامعة أطلقتها دولة الإمارات من خلال مشروع تحدي القراءة الذي صممه ونفذه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تجسيداً لرؤية دولة الإمارات نحو المستقبل العربي ولبناء جيل يمتلك الوعي على صعيد الأمة وليس على صعيد محلي فقط. وقد لخص المشروعُ أهدافَه في تنمية مهارات الطلاب وبخاصة قدرتهم على التعبير بلغتهم العربية واستعادة سمة الفصاحة وتعزيز الحس الوطني والعربي والشعور الحي بالانتماء إلى أمة واحدة.

ولست أجامل إن قلت إن هذا المشروع العملي ينافس كل المشروعات السياسية الوحدوية التي انطلقت في سنوات القرن العشرين، ولم تتمكن من تحقيق أهدافها، لأنها اهتمت بالنخبة فوقعت في صراعات شتى حين تَحول الحلم إلى تنافس سياسي، وكان الاهتمام بالثقافة والمعرفة هامشياً وغارقاً في الأيديولوجيا التي يصعب الإجماع عليها. وهذا ما تجاوزته دولة الإمارات في رؤيتها لبناء جيل عربي متجانس ومنفتح على كل الرؤى والثقافات.

ولقد أتيح لي أن أواكب تطور الأفكار والرؤى التي أطلقتها دولة الإمارات منذ أربعة عقود، والتي كانت رؤية وحدوية في تأسيسها، حتى بات اتحاد الإمارات المشروع الضخم الوحيد الذي تحقق ونجح، بينما أخفقت كل التجارب الوحدوية العربية الأخرى، وبعضها أحدث انتكاسات أسقطت مشروعَها في هوة لم تنهض منها إلى اليوم، حتى باتت بعض الدول ذات المشاريع الأيديولوجية في القرن العشرين تبحث عن حد أدنى من التضامن العربي بينما تتحدث أديباتها عن رؤى حالمة بمشروع وحدوي شامل.

وغرقت بعض الدول في قوقعة قطْرية قادت بعضَها إلى العزلة وفتحت أبواب الصراعات البينية. لقد كانت رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ذات أبعاد عملية حكيمة. ولم تتوقف دولة الإمارات عن رؤيتها المستقبلية لأمتها، إذ امتدت مشاريعها التنموية على مستوى الأمة، ثم على مستوى الشعوب التي تحتاج إلى عون ومساعدات حيوية، وحين اضطربت أوضاع بعض الدول العربية المهمة إثر الأحداث الدامية التي عصفت بالأمة خلال العقد الثاني من هذا القرن، نهضت دولة الإمارات بدور ضخم في الحفاظ على الحضور العربي في الساحة الدولية، واستعادتْ بناء العلاقات العربية والدولية التي عصفت بها تداعيات الأحداث الجسام، وتمكنت مع المملكة العربية السعودية من تعزيز استقلال القرار السيادي، وتوسيع دائرة الأصدقاء، وجعل المصلحة الوطنية والقومية بوصلة التوجهات السياسية.

وبرز الدور الكبير لدولة الإمارات على الساحة الدولية في توسع إطار علاقات الدولة وخياراتها التي أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، آفاقها الراهنة على الصعيدين العربي والدولي.

ويأتي مشروع تحدي القراءة توحيداً لرؤى جيل عربي قادم، وقد بدت ملامحه المبشرة خلال احتفالات التتويج في دبي، وكان شموله لأبنائنا العرب المقيمين في العديد من الدول الأجنبية، فضلاً عن مشاركة كل الدول العربية، تأكيداً لروابط الانتماء وتعزيزاً لها. وأعود إلى الحديث عن شام التي أبهرت الجميع بحضورها العذب ولغتها الفصيحة، وذكائها المتقد وما وهبها الله من حضور، لأهنئ أمها المكافحة، ولأشكر دولة الإمارات على نجاح هذا المشروع الضخم الذي أمسك بزمام المستقبل العربي.