نحن نعيش عالما رقميا، وهذه الكلمة البسيطة لها أبعاد كبيرة، فهذا العالم الجديد له قوانين خاصة لم يستكمل جميع تجلياتها بعد، ولن أطيل في المقدمة بل سأذهب مباشرة إلى ما نشرته وكالة "سي إن إن" نقلا عن إيلون ماسك بشأن مشكلة احتمال إزالة تويتر من متجر أبل، ولفهم هذه المشكلة التي اندلعت بعدما استحوذ إيلون ماسك على موقع التواصل الاجتماعي الشهير تويتر، وقام باتخاذ إجراءات عديدة بشأن توثيق الحسابات وتعديلات بشأن الحسابات الوهمية التي تؤثر بشكل واضح في أعداد المتابعين، ونشر استطلاعات للرأي من بينها سؤال عما إذا كان يجب على تويتر الإبلاغ عن جميع حالات الرقابة ضد عملائها، وهذه الاستطلاعات والإجراءات تسببت في قلق واسع، فبدأ عديد من المعلنين التخلي عن شركة تويتر والتوجه إلى جهات أخرى لنشر إعلاناتهم، مثل تيك توك وجوجل، وتعد شركة أبل من أكبر المعلنين على منصات تويتر، وتشير تقارير إلى أنها أنفقت نحو 39 مليون دولار على الإعلانات في وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك كان قلق إيلون ماسك من توقف إعلانات أبل أمرا له ما يبرره فعلا، لكن الأسوأ هو احتمال إزالة تويتر من متجر التطبيقات في أبل، وهذا معناه عدم تمكن كل مستخدمي هواتف أبل ومنتجاتها من استخدام تويتر. هنا تبدو الصورة مختلفة، فإذا كانت تويتر تعاني مشكلة تضخم الحسابات الوهمية وفقا لتصريحات سابقة لإيلون ماسك، وهذه الحسابات الوهمية تتسبب بتضليل المستخدمين من حيث تقييم قوة الحساب وتأثيره، فنحن نتوقع أن حسابا ما مؤثر بسبب حجم متابعيه بينما هو في الحقيقة غير ذلك، وإذا كان تصحيح هذا الخطأ في بنية تويتر يقود إلى غضب الشركات العالمية، لأن معنى ذلك أن حجم المستخدمين لتويتر هو أقل من حقيقته، وبالتالي فإن عليها إعادة احتساب حجم تأثير تويتر العالمي مقارنة بغيرها من المنصات، وإعادة تخصيص حجم المصروف من الإعلان على هذه المنصة، وبهذا تظهر حقيقة الوضع الراهن بأن بقاء الحسابات الوهمية يعني زيادة الدخل الإعلاني وسعادة الجميع ومن بينهم إيلون ماسك والشركات العالمية والمتابعين، وإذا تم سحب الحسابات الوهمية غضب الجميع، فأي عالم نعيش فيه؟

إنه عالم رقمي، تماما، فمعنى الوهمي فيه يختلف عن معناه في عالم الواقع، فالأرقام عن أعداد المتابعين تعد أرقاما "حقيقية" هناك طالما هي حسابات بغض النظر عمن يديرها، هل هو إنسان آلي أو بشري، وفي عالم أصبحت فيه أعداد المتابعين هي مقياس القيمة، فإن بنية القيمة قد أصبحت هي الأخرى "رقمية"، قيمة نشعر بها فقط في عالم الإنترنت، قيمة تزيد وتنقص هناك فقط. في العالم الرقمي تتراكم القيمة مع تراكم أعداد المتابعين، لهذا فإن هذا العدد هو تعبير عن رأس المال الرقمي، وإذا كان بالإمكان في عالم الواقع إنتاج القيمة بناء على التعاون المثمر بين قوة العمل ورأس المال، فإنه يمكن إنتاج القيمة في العالم الرقمي من خلال التعاون بين رقم أعداد المتابعين "كرأس مال" وبين قوة العمل "جهد المؤثرين"، لهذا السبب تدفقت الثروة "عند بيع قيمة التأثير" نحو أولئك القادرين على الفوز بعدد كبير من المتابعين مع بعض الجهد في إنتاج مادة جاذبة لهم، وظهر على الساحة أغنياء جدد لم يكن في الحسبان يوما أن يصحبوا من الأثرياء حتى في خططهم السابقة قبل هذه الحقبة الاقتصادية الجديدة. عدد المتابعين إذا هو رأس المال الجديد في العالم الرقمي. هذا يتطلب منا كثيرا من التأمل بشأن العلاقات الاقتصادية بين المنصات مثل أبل وتويتر وبين المؤثرين في هذه المنصات، فمن يملك رأس المال "عدد المتابعين" فعليا. هل المالك لرأس المال هو المؤثر أو تويتر أم أنها أبل التي منحت تويتر ومنحت المؤثر قدرة الوصول، إنها عملية معقدة جدا، فإذا كان عدد الحسابات ملكا لتويتر، بحيث تستطيع في أي وقت تعليق الحساب أو إلغاء متابعين بأي حجة، فإن كل المؤثرين بتنوعهم ليسوا سوى عمال عند شركة تويتر، فالحقيقة أن تويتر لا تعطي المؤثرين تعويضا عن قوة عملهم، إلا بقدر ما تحصل عليه من إعلانات تقوم بها شركات كبرى مثل أبل، وهذا ما أغضب شركات كبرى فهي ترى أن ملكية هذه الأعداد من المتابعين تعود إليها، فهي التي منحت تويتر قاعدة العمل ومنحت المؤثرين والمتابعين قدرة الوصول، وبهذا فليس لتويتر حق حذف أو تغيير هذه الأعداد. فتويتر مجرد دفتر يومي لتسجيل الوقائع التاريخية التي تحدث في الحسابات وفيما بينها، وليس لها أن تغلق أو تعلق شيئا منها.