بعيداً من السجالات التي أخذت منحى طائفياً، مثل كل شيء في هذه الأيام في لبنان، حول دعوة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجلس الوزراء إلى الانعقاد، وتعطيل هذه الدعوة من أكثر من ثلث الوزراء، فإنّ المحصّلة الأولى لتلك الواقعة هي أنّ انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية ما زال بعيداً.

الدعوة بحدّ ذاتها تعني أنّ الضرورات لتوجيه ميقاتي الدعوة تعود إلى أنّ لا أفق للأمل بأن يكون إنهاء الشغور قريباً. فالمخرج السليم كما يقول البطريرك الكاردينال بشارة الراعي وأكثر من فريق، عن حق، هو بانتخاب رئيس كي ينتظم عمل المؤسسات الدستورية بتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، تلبي الحاجة لالتئام مجلس الوزراء كي يخرج بقرارات حول هذه الضرورات. سواء صحّت التبريرات الاستثنائية لتلك الدعوة، أم صدقت الأسباب الدستورية لرفضها، النتيجة كانت إضافة تعطيل إلى تعطيل. ويجري ذلك بحجة عدم جواز تولي ملء الفراغ بجهة محكومة بالفراغ، في لعبة السلطة التي يتبادل الفرقاء اللكمات والأفخاخ والمناورات على حلبتها، التي لا ترعاها أي قواعد تحكيم أو قانون أو حتى أعراف.

إنها لعبة عبثية، يستطيع فيها الفريق المقاطع للجلسة أن يكيل الاتهامات لرئيس الحكومة إلى ما لا نهاية، لأنّه خالف تعهّده قبل أكثر من شهر بأنّه لن يدعو إلى جلسة إلا بموافقة الفرقاء كافة، وبعد التشاور معهم. ويستطيع الأخير أن يتهم الفريق المُقاطع بأنه يعيق معالجة أمور ملحة إنسانية وصحية ومالية، كما يظهر من بنود جدول أعمال الدعوة، ومنها قبول هبات وصرف اعتمادات بعضها لتسديد أقساط ديون لمؤسسات تمويل دولية...

ومثلما بإمكان بعض الوزراء المقاطعين أن يسجلوا على ميقاتي أنه لم يتشاور معهم، يستطيع هو أن يتهم هذا البعض بأنّه طالبه بمعالجة أمور تتعلق بوزارته فأدرجها على جدول الأعمال للبت بها لأنها تحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء، ولا يمكن حلها إلا بعد مصادقة من السلطة التنفيذية. وبماذا يمكن وصف ما يحصل غير أنه المزيد من إضاعة الوقت وتأجيل الحلول؟

في كلّ الأحوال فإنّ ما بيّنته المواقف إزاء مبادرة ميقاتي لدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، أنّ حكومته مفخخة بالثلث المعطِّل وسكر زيادة. وهذا أمر يتحمل مسؤوليته ميقاتي نفسه منذ أن شكلها منهياً بذلك سجالاً سابقاً جرى بين الجانبين الإيراني واللبناني، نافياً أن يكون أي فريق حصل على هذا الثلث. وهذه البدعة ربما تكون درساً لرئيسي الجمهورية والحكومة المقبلين، بقدر ما هي نقطة في غير صالح ميقاتي وإمكان عودته إلى الرئاسة الثالثة لمجرد أنه ساوم في عملية تأليف حكومته الحالية، فبلغ ما وصل إليه من عجز وتعطيل، وبالتالي يمكن أن يكرر الأمر في أي حكومة مقبلة.

يعزز ما حصل على هذا الصعيد صحة الاستنتاج بأنّ التفكك الذي أصاب بنية الدولة ومؤسساتها الدستورية والسياسية، مثل إدارتها وقضائها، بلغ مرحلة متقدمة تؤدي إلى خفض التوقعات من أي جهود خارجية تستعجل إجراء انتخابات رئاسية أو تعمل من أجل تسوية على الرئيس العتيد.

في وقت يعلّق بعض القيادات اللبنانية الآمال على محطة ملء الفراغ الرئاسي من أجل انطلاق قطار الحلول للأزمة اللبنانية بوجهيها الاقتصادي والسياسي، فإنّ التعقيدات التي ترافق إعادة تكوين السلطة تدفع أكثر من جهة سياسية في الداخل، إلى خفض طموحاتها حيال الاستحقاق الرئاسي كنقطة تحول.

وخفض الطموحات والآمال أخذ بعض المسؤولين في بعض العواصم الفاعلة إلى التعبير عن عدم اكتراثهم بما سيؤول إليه الوضع اللبناني، رغم تكرارهم مقولة حث الزعماء اللبنانيين على انتخاب رئيس في سرعة. وخلافاً لما يروّج بأنّ هذه العواصم تدعو إلى انتخاب هذا أو ذاك من المرشحين، فإن المسؤولين فيها يتنقلون بين المرشحين بين ليلة وضحاها بالتساؤل: لماذا البرلمان عاجز؟ فليذهبوا وينتخبوا إمّا سليمان فرنجية، أو قائد الجيش... والذين يستمعون إلى بعض الدبلوماسيين يرددون هذين الاسمين، لا يلبثون أن يسمعوا اسماء غيرهما.

الوضع السياسي اللبناني بات عصياً على الفهم والقبول لدى هذه العواصم، بحيث باتت القناعة أن انتخاب رئيس جديد لن يغير في واقع الحال كثيراً، ولن يؤدي إلى دفع الإصلاحات المطلوبة إلى الأمام، فضلاً عن أن ليس هناك استعداد للتسليم برئيس يقع تحت نفوذ "حزب الله" في ظل المعادلة الإقليمية والدولية الراهنة. فالدول الغربية باتت تنظر إلى ما يحصل في الداخل الإيراني، وتقيس موقفها المتشدد إزاء طهران استناداً إلى انحيازها إلى روسيا في حرب أوكرانيا.