كافح البيت الأبيض خلال عامين من حكم الرئيس جو بايدن من أجل تأمين عقد القمة الأمريكية الأفريقية الثانية التي تستضيفها واشنطن في الفترة من 13 إلى 15 من الشهر الجاري، وسبب المعاناة الأمريكية في عقد القمة الأمريكية الثانية أن آخر قمة جمعت رئيس الولايات المتحدة مع القادة الأفارقة كانت عام 2014 في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي زار أفريقيا مرتين فقط خلال 8 سنوات، وكانت زياته الأولى لدولة واحدة، هي غانا، بينما كانت الزيارة الثانية لحضور جنازة نيلسون مانديلا، ومنذ ذلك الحين جرت في الأنهار الأفريقية الكثير من المياه الصينية والروسية مع تراجع كبير للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وهو ما يجعل الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين في موقف يتشابه مع التحديات التي واجهتها دول الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية في «معركة دنكيرك»، حيث جاهد الحلفاء ليس لتحقيق النصر عندما وصلت القوات الألمانية إلى شاطئ القنال الإنجليزي من الجهة الفرنسية، بل للعمل خلف خطوط الألمان فقط من أجل تأمين إجلاء 300 ألف من قوات الحلفاء، فهل تستطيع الولايات المتحدة استجماع قواها، وترتيب أوراقها السياسية والاقتصادية في «القارة الشابة» لتحافظ على ما تبقى لها في أفريقيا؟

مخاوف بسمارك

منذ سنوات طويلة أدرك الغرب أن أفريقيا سوف تكون «ساحة للتنافس والصراع» بين القوى الدولية، لهذا دعا المستشار الألماني بسمارك عام 1880 إلى عقد اجتماع للتنسيق بين القوى الاستعمارية الأوروبية حتى لا تتصارع على المصالح والنفوذ في القارة الأفريقية، لكن بعد هذه العقود الطويلة يتأكد للجميع أن التنافس والصراع هو الشعار الذي ترفعه القوى الدولية في التعامل مع أفريقيا، التي تتنافس عليها ثلاثة مشروعات رئيسية؛ المشروع الأول هو الذي تطرحه واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون، والذي يرفض التنازل عن مكتسباته التاريخية في أفريقيا، وطرحت الولايات رؤيتها لأفريقيا في 8 أغسطس الماضي، والتي تقوم على النظر إلى أفريقيا من الجانب «الجيوسياسي» بالنسبة للأمن القومي الأمريكي، وقالت هذه الرؤية التي جاءت تحت عنوان «استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022» إن وزارة الدفاع الأمريكية سوف تعمل مع الشركاء الأفارقة لتحديد ولفت الانتباه إلى ما أطلقت عليه «مخاطر الأنشطة السلبية للصين وروسيا» في أفريقيا، ووفق هذه الاستراتيجية سوف تعتمد الولايات المتحدة على مجموعة من الأدوات لتعزيز وجودها في أفريقيا عبر توسيع التعاون الدفاعي مع ما أسمتهم «بالشركاء الاستراتيجيين»، ومشاركة قطاع الدفاع الخاص الأمريكي للقوات المسلحة للدول الأفريقية في مجالات التكنولوجيا والطاقة، وتعزيز تنمية «المجتمعات المفتوحة» التي تفضل العمل مع واشنطن، وتنظر تلك الاستراتيجية إلى الصين باعتبارها تهتم فقط بأفريقيا على اعتبار أنها «ساحة لتحدي النظام الدولي»، وإضعاف علاقات أفريقيا بواشنطن، بينما ترى تلك الاستراتيجية في نشاط موسكو المتزايد في أفريقيا أنه يقوم على الاستفادة من البيئة الأفريقية الأمنية الهشة لتعزيز حضور الشركات العسكرية شبه الحكومية والخاصة، لكن اللافت في هذه الاستراتيجية الأمريكية أنها تهتم بشكل خاص بدول «جنوب الصحراء»، وقالت إن «هذه الدول سوف تؤدي دوراً حاسماً في دفع الأولويات العالمية لصالح الأفارقة والأمريكيين»، والسبب في هذا الاهتمام الخاص أن تلك المنطقة تتمتع بأعلى معدلات النمو السكاني في العالم، وأكبر مناطق التجارة الحرة، والأنظمة البيئية الأكثر تنوعاً،

لكن لا يخفى على أحد أن هذه الاستراتيجية الأمريكية جاءت بعد أن أصبحت الصين هي الشريك التجاري الأول والمفضل للقارة الأفريقية من شمالها إلى جنوبها بنحو 220 مليار دولار مقابل نحو 100 مليار فقط بين أفريقيا والولايات المتحدة، كما أن الصين تفتخر بأنه منذ بداية المنتدى الصيني الأفريقي عام 2001 استوردت من أفريقيا سلعاً تقدّر بـ1.2 تريليون دولار، وصدرت سلعاً بنحو 1.27 تريليون دولار، كما تخشى واشنطن تنامي العلاقات الأمنية والعسكرية بين الدول الأفريقية وروسيا.

الواضح للجميع أن القمة الأمريكية الأفريقية سوف تعمل على إبقاء حظوظ الولايات المتحدة في التنافس على القارة الأفريقية، حتى لو اقتضى الأمر التعامل «باستراتيجية دنكيرك» خلف خطوط المنافسين الحاليين والمحتملين.