ذكر بيير ديغول حفيد الرئيس الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديغول، في المقابلة التي أجرتها معه أجورافوكس، بأن العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا قد وصلت إلى 11000 عقوبة، بالإضافة إلى الحزمة التاسعة من العقوبات التي فرضت مؤخراً، وروسيا ليست الدولة الوحيدة العظمى التي تتعرض للعقوبات، فالصين هي الأخرى قد أصبحت مستهدفة.

ولذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه هنا هو: ما مدى فعالية هذه العقوبات؟

وبادئ ذي بدء تجدر الإشارة، إلى أن هذه العقوبات لم يتم فرضها من قبل مجلس الأمن الدولي، وإنما من قبل مجموعة من الدول، وبالتالي فهي ليست إلزامية، أو بالأصح لا يمكن إجبار بقية بلدان العالم على الامتثال لها، إلا بقدر ما ترى هذه البلدان أن ذلك يصب في مصلحتها.

الأمر الآخر، أن فرض العقوبات على روسيا والصين، لا يعطي نفس النتائج التي تعطيها العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على البلدان النامية. فالفضاء الاقتصادي الروسي والصيني من الكبر، بحيث يستطيع التغلب، أو على الأقل تحييد العقوبات المفروضة عليه. وهذا يخلق سابقة، بعدم جدوى العقوبات المفروضة، بل وتحولها، بفعل تأثير ظاهرة بوميرانغ Boomerang، إلى سلاح مرتد على الجهة المستخدمة له.

ولذا نلاحظ، أن العقوبات المفروضة على روسيا والصين لا تعمل كما أراد فارضوها. وهذا يؤدي إلى تشجيع بقية الدول على عدم الالتزام بها.

إن تصرف الغرب الانفرادي، قد أضعف ليس فقط الغرب، وإنما الأمم المتحدة أيضاً- التي أصبحت بلا حول ولا قوة. وهذا بالتأكيد، أمر آخر لم تحسب حسابه الدول الغربية، التي ترغب دائماً أن تستعرض جبروتها، وقدرتها على تسيير غيرها وفقاً لما تراه. ولكن بدلاً عن ذلك، أصبحت هذه المرة، بفعل ظاهرة بوميرانغ، أضحوكة يتندر العالم على عدم قدرتها وضعف حيلتها وتورطها بأكثر مما تستطيع.

إن النظام العالمي يعيش مرحلة انتقالية تختلف عن بقية المراحل الانتقالية التي شهدها العالم خلال القرون الماضية. فهذه أول مرة يمر العالم بهذه المرحلة، بعد امتلاك الدول العظمى للسلاح النووي، الذي غير المعادلة. فامتلاك الدول العظمى لأسلحة الدمار الشامل يجردها من إمكانية شن هجوم على بعضها البعض، وإلحاق الهزيمة بالخصم المنافس في ميدان المعركة. وهذا قد لا يعيه من قدر لهم أن يحكموا العالم، الذي يعيش في حالة اضطراب، كما أشار كيسنجر مؤخراً، هي الأشد منذ عصر التنوير. ولهذا فإن العالم يحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى قادة عظماء قادرين على درء المخاطر التي تهدده.