ليست سابقة أن تهتم دول الخليج العربية بالقضايا اللبنانية، وتتابعها، بخاصة المسائل والقضايا التي تحتاج الى دعم ومتابعة ومبادرات حية قابلة للحياة. وتشكل حالياً قضية انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية مشكلة كبيرة بين الأطراف اللبنانية والتي تحتاج إلى مساعدة للتمكن من تجاوزها، ومن بين هذه المبادرات، مبادرة خليجية دولية يعلّق عليها الآمال، وسط إغلاق أبواب المشاريع والمبادرات الإقليمية والدولية، في المرحلة السابقة.
وعماد هذه المبادرة جملة أسس عُرضت على مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي الست، في محاولة لإنشاء بيئة تُخرج لبنان من وضعه السياسي والاقتصادي الصعب، وهي محاولة لإعادة بناء مكونات السلطة بعد الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، ووسط أزمة حكم متصلة بصعوبة التوافق على اجتماعات الحكومة المستقيلة التي تقوم بتصريف الأعمال.
والمبادرة تنطلق على قاعدتين أساسيتين، عبر محاولة التوصل إلى تفاهمات بين الأطراف اللبنانية لانتخاب رئيس للجمهورية، ومحاولة التوصل أيضاً إلي تفاهمات حول مكونات الحكومة المقبلة ومساراتها في العهد الجديد؛ وهو أمر ليس سهل المنال، وتتخلله مطبات وعثرات لا تعد ولا تحصى، بالنظر إلى طبيعة تعقيدات الواقع اللبناني، ومدى تضارب المصالح الداخلية، وتقاطعها مع أطراف، إقليمية ودولية.
وفي طبيعة الأمر، لم تنطلق المبادرة من فراغ، وإنما انطلقت من تصورات ورؤى سابقة قامت بها أطراف عربية وإقليمية ودولية، لذا تمازجت هذه المبادرة مع محاولات أميركية وفرنسية طُرحت في غير محفل ومناسبة، ومن المفترض أن تكون هذه المبادرة محور لقاء رباعي يعقد في باريس، قريباً، ويضم إلى جانب المملكة العربية السعودية وقطر، كلاً من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وهو محور اجتماع يأتي بعد انسداد أبواب الحلول والمشاريع لفترة طويلة خلت.
ثمة من يعلّق آمالاً كبيرة على هذه المبادرة لما تضمه من أوزان سياسية، إقليمية ودولية، فاعلة، فالدولتان الخليجيتان، السعودية وقطر، تنطلقان من بيئة خليجية ضمن مجلس التعاون الذي له آثار فاعلة في المحيطين، العربي والدولي، ومن بينها مثلاً الحراك الذي قامت به الإمارات العربية المتحدة، مؤخراً، حين استقبلت العاهل الأردني، الملك عبدالله بن الحسين، علاوة على زيارة وزير الخارجية والتعاون الدولي، سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى دمشق، حيث التقى الرئيس السوري بشار الأسد، إضافة الى حراك سلطنة عُمان تجاه طهران.
وبصرف النظر عن ثقل المبادرة وعناصرها القابلة للحياة، ثمة ما يشير الى جدية المبادرة وإمكانية البناء عليها، باعتبارها تضم فواعيل ذات وزن مهم في الحياة السياسية، الإقليمية واللبنانية، إضافة إلى عدم وجود أي مبادرات جدية وازنة حالياً، إضافة إلى أنها تحاول إرساء قواعد سياسية سلوكية للواقع اللبناني وقضاياه التي لا تنتهي، ومن بينها أزمة النظام السياسي التي تفاقمت في الفترة الماضية، وبدأت تعلو المطالبات بعقد سياسي اجتماعي جديد يحدد أطر نظام الحكم في لبنان.
ويتواءم الحراك الخليجي حالياً، مع محاولات فرنسية لإيجاد مخارج مشاريع حلول للأزمة اللبنانية القائمة، ومع تعثر مساراتها السابقة، تلقت مساندة أميركية، ورغم ذلك لن يصل الحراك الدولي الى نتائج محققة، لذا تبدو المواءمة الخليجية الفرنسية الأميركية تأخذ موقعاً متقدماً في طبيعة المؤثرات القابلة للحياة، لاسيما وأن سوابق أخذت دوراً متقدماً في مشاريع الحلول، كاتفاق الطائف 1989 الذي أنهي حرباً أهلية بين اللبنانيين استمرت 15 عاماً، وأفضى إلى نظام سياسي أمّن فترة هدوء، ما لبث أن أعيد ترميمه بما اتفق على تسميته باتفاق الدوحة الذي أنهى فراغاً رئاسياً استمر أكثر من عامين. فهل يستطيع اجتماع باريس وضع المبادرة الرباعية على الطريق الذي يرضي الأطراف اللبنانية التي لا تزال تعلق، كعادتها، الآمال على المبادرات وتلقف الفرص في الوقت الضائع؟
التعليقات