هناك فرق شاسع بين «هجرة» الفنون من أوطانها التي نشأت فيها إلى بلدان أخرى، وبين الترحيل القسري لهذه الفنون، الذي يبلغ حدّ الاستحواذ على أعمال ومقتنيات وآثار فنية فائقة الأهمية تخص بلداناً وشعوباً بعينها، ولكننا نجدها عبر صور الترحيل القسري هذا في متاحف بلدان أخرى، أو ضمن مقتنيات الأثرياء فيها.
الفرق بين «هجرة» الفنون و«ترحيلها»، يكمن في أن الهجرة هي نفسها ما يعرف بتفاعل الثقافات والفنون، فالفن الحقيقي قادر على عبور المسافات واجتياز الحدود تلقائياً، خاصة في عالم اليوم الذي تدانت فيه المسافات، حتى أوشكت «عوالم» الأرض المتعددة أن تصبح عالماً واحداً، وهذا التفاعل سمة تاريخية عرفتها ثقافات كل الأمم على مر الزمن. أما ترحيل الفنون فهو أقرب إلى سرقتها من أهلها وانتزاعها من ديارها، وهو لا يختلف عن ترحيل شعب من الشعوب عن وطنه، كما حدث مع الشعب الفلسطيني.
كم في متاحف أوروبا اليوم من تحف وقطع أثرية ثمينة، فرعونية وسومرية وإسلامية، أخذها الغزاة الأوروبيون من بلداننا، وحوّلوها إلى ثروات في متاحف بلدانهم، وما أكثر ما تصدّرت نشرات الأخبار أنباء عن استعادة مصر مثلاً لقطع آثارية أخذت منها إلى هذا البلد الأوروبي أو ذاك.
حالياً يجري تداول خبر طلب تقدّمت به بلدية مدينة أميان الفرنسية إلى المغنية الأمريكية مادونا، لإعارتها لوحة للرسام جيروم مارتن لانغلوا، تعود للقرن التاسع عشر فُقدت أثناء الحرب العالمية الأولى، ويُعتقد أن المغنية اشترتها من مزاد في نيويورك عام 1989، مقابل 1.3 مليون دولار.
تحمل تلك اللوحة اسم «ديانا وأنديميون»، وهي للرسام جيروم مارتن لانغلوا، وتصور «ديانا» وهي من الآلهة الرومانية تنظر بشغف للشاب الوسيم أُنديميون، وكانت ضمن معروضات متحف أميان، لكنها فقدت بعدما قصفت ألمانيا المدينة في عام 1918، ويبدو أن هناك من سرقها يومها لتباع هي، أو على الأقل نسخة منها تشبهها طبق الأصل، في ذلك المزاد العلني لتكون من نصيب مادونا.
تدرك بلدية المدينة الفرنسية أنه لم يعد لها الحق في منازعة مادونا قانونياً، مع أن اللوحة سرقت من متحفها، لذلك قالت رئيسة البلدية مخاطبة مادونا: «لا نشكك بأي حال في مشروعية امتلاكك للوحة، لكننا مرشحون للقب عاصمة الثقافة الأوروبية في 2028، ونودّ بهذه المناسبة أن نستعير لوحتك».
لوحة المدينة غدت لوحة مادونا.
التعليقات