حاول الامين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، في إطلالتيه الأخيرتين، تحويل مخاوف الطائفة المارونيّة من تفريغ مناصبها في الدولة اللبنانيّة، بدءًا من رئاسة الجمهورية، مرورًا بحاكمية مصرف لبنان، وصولًا الى قيادة الجيش، إلى عامل ضغط لمصلحة المرشّح الذي يناسبه لرئاسة الجمهورية اللبنانية، أي أن يكون على قياس الرئيسين السابقين ميشال عون وأميل لحود.

منطق نصرالله جاء بسيطًا ومبسّطًا: لا أحد يتآمر على الطائفة المارونيّة، سوى الطائفة المارونيّة نفسها، لأنّها تحول دون التوافق المطلوب على رئيس للجمهوريّة إذ إنّه في غياب رئيس الجمهوريّة، من الطبيعي أن يعمّ الشغور المناصب الدنيا، وتاليًا، اذا اراد مسؤولو الطائفة المارونية التخلّص من هذه الحتمية "البديهيّة، فعليهم ان يوافقوا على ما يفرضه الحزب من مواصفات في الرئيس المقبل "ليكون من هؤلاء الذين لا ترميهم نفخة اميركية في البحر الابيض المتوسط".

في هذه الحالة، هل "حزب الله" بريء فعلًا، ممّا يثير غضب الطائفة المارونية في لبنان؟

الجهات السياسيّة المارونية المعنية بهذه المسائل مقتنعة بأنّ "حزب الله"، بالفيتو الذي يتمتع به، يبتزّها، اذ إنّه يخيّرها بين استمراريّة دورها في النظام اللبناني واستمرارها في تكريس قبضته على روح الجمهوريّة اللبنانيّة.

وهي حتى تاريخه تقاوم هذين الخيارين المرّين، فالمناصب القيادية في الدولة مهمة، ولكنّها تفقد قيمتها اذا تمّ تكريس رهن الدولة للدويلة، لأنّ "حزب الله" يريد وضع لبنان نهائيًّا في خدمة "الأجندة الايرانيّة"، الأمر الذي يسرّع من وتيرة اسقاط البلاد في قعر الجحيم.

ولا يبدو أنّ "حزب الله" مستعد للذهاب الى خيار ثالث، فالدولة من أساسها لا تعنيه، اذا لم تكن في خدمة المشروع الذي يأتمنه عليه قائده الأعلى، مرشد الجمهورية الاسلامية علي الخامنئي.

وهو في ذلك لا يتجاوز مواقف خصومه فحسب، بل يبدي استعدادًا للتصادم مع حلفائه أيضًا، على الرغم من أنّهم سبق أن خدموه ب"رموش العيون"، كحالة "التيار الوطني الحر".

إنّ الطبقة السياسيّة اللبنانية من أقصاها الى أقصاها تفكر بحصصها في السلطة وبمواقعها في الدولة وبمكتسباتها في الادارة، في حين أنّ "حزب الله" لا يعنيه سوى إنجاح التكليف الشرعي: إبقاء لبنان في موقع "العمق الاستراتيجي للجمهورية الاسلامية في ايران".

ولكن، هل انتصار "حزب الله" في ما يسعى اليه حتميّ؟

اذا تمّ الركون الى السوابق، فالرد على هذا السؤال لا يمكن أن يكون سوى بالايجاب، والجميع يقدّمون تقديم النجاح في فرض العماد ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة، بعد فراغ دام سنتين ونصف السنة، نموذجًا.

ولكن، يومها لم تكن الشكوى من الفراغ الرئاسي مارونيّة بقدر ما كانت سنيّة، اذ إنّ رئيس "تيّار المستقبل" سعد الحريري جهد لملء الشغور الرئاسي بشخصيّة من قائمة تُرضي "حزب الله"، لأنّ الحريري كان يريد، من جهة العودة الى رئاسة الحكومة، وكان، من جهة أخرى، مقتنعًا بأنّ الطائفة السنية هي التي تدفع دائمًا ثمن الشغور الرئاسي، فبعد انتهاء ولاية لحود، على سبيل المثال لا الحصر، كان السابع من أيّار/ مايو ٢٠٠٨.

ولكنّ السياسيّين الموارنة، ولو أنّ البطريركية المارونية ترفع الشكوى من أثمان مرتفعة للشغور الرئاسي، ليسوا في وارد خسارة ما يطمحون اليه، سواء بالنسبة للبلاد هنا أو بالنسبة للمكتسبات الشخصيّة هناك، بالذهاب الى حيث يطلب منهم نصرالله.

ولكن هذا "العناد" يفتقد الى خطة ضاغطة لتعديل المسار الذي يفرضه "حزب الله" على اللبنانيّين، ولذلك وجد جزء من القوى السياسيّة المارونيّة، في خطوة بعض النواب التغييريّين، ولو كانوا غير مقتنعين كليًّا بها، بداية "إبداع" في البلاد، خصوصًا بعدما لمسوا أنّ بدء الاعتصام في القاعة العامة لمجلس النواب، وفي ظروف اقامة صعبة، أصاب رئيس مجلس النواب نبيه برّي بأذى كبير، اذ يسلّط هذا الاعتصام الضوء على تقصير برّي في تنفيذ المهام المطلوبة منه دستوريًّا، اذ انّ المجلس النيابي، في حال الشغور الرئاسي، يجب ان يبقى في حالة انعقاد دائم، حتى ينتخب رئيسًا للجمهوريّة. وهذا الواجب يمتنع برّي عن الالتزام به، بحيث يخلق الظروف المؤاتيّة لتحويل الجلسات الاسبوعية الى مسرحية هزليّة، حتى ترضخ القوى السياسيّة لشروط "الثنائي الشيعي".

بطبيعة الحال، اذا استمرّ الزخم الشعبي والنخبوي في التعاطي مع الاعتصام النيابي على وتيرته الخافتة راهنًا، فلن يثمر الاعتصام النتائج المتوخاة، ولكن إذا أنجبت الأيّام المقبلة الزخم المرتقب، فالابتزاز سيصاب بنكسة حقيقيّة.