قبل يوم الثالث من يناير 2023، كان الرهان معقوداً على عدم احتمالية انعقاد دورة كأس الخليج العربي لكرة القدم في البصرة، لكن سرعان تأكد انعقادها في البصرة، إذ عُقدت بقوة وحماس كبيرين، وبرمزية خليجية واضحة، حيث تمثل البصرةُ أيقونةَ العراق التاريخية والتجارية والاقتصادية، كما مثلت على الدوام حلقةَ الوصل بينه وبين دول الخليج العربي، إذ جعلت العراقَ بلداً خليجياً.. لذا فإن لها في قلوب الخليجيين وفي ذاكرة أجيالهم ذكرى مكانة خاصة ومميز، لا سيما في سفر الأبوام (السفن) إليها لشراء التمور ومختلف البضائع، قبل نقلها إلى الهند ودول أخرى.
وما يزال تمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي (توفي 789/173) يقف بقامته وشموخه عند مدخل شارع الاستقلال بمدينة البصرة، يحيِّي المارةَ والضيوفَ. نذكر ونحن صغارٌ وقوفَنا على سواحل الخليج العربي ننتظر عودة الأبوام (السفن) وهي تحمل التمورَ في طريقها إلى الهند، وكان آباؤنا يحملون هدايا البصرة ومنها «السِعِنّة» المصنوعة من خوص النخل، وبداخلها تمور مخصصة للأطفال.
هناك إرهاصات سياسية تشي بأنه سيكون للبصرة مستقبل واعد، يرشحها لأداء دور مهم في الحياة العامة العراقية. وقد شكَّل انعقادُ البطولة فيها رسالةً قويةً، إذ تم تنظيمها بهذه الصورة الناجحة، وهي رسالة أدركها الطرف المعارض لانعقادها «مكاناً وعنواناً»، وكذلك الأطراف التي حاولت التشويش على البطولة انطلاقاً من أجندات إقليمية!
وفيما يتعلق بالشكوى المقدمة إلى «الفيفا» اعتراضاً على اسم «الخليج العربي»، فهذا أمر يدعو للتساؤل، إذ إنه لسنوات خلت لم تكن هذه التسمية تثير مثل هذه الشكوى، لكن ربما البعض رأى أن البصرة أقرب إليه!
تسمية الخليج بالعربي لا ينبغي أن تثير حساسيةَ أحد، لا بالنظر إلى الحيثيات الجغرافية أو الحيثيات التاريخية؛ فالخليج محاطٌ ببشر لهم عروبتهم الواضحة، وهم ينطقون بلسان عربيٍ مبين ويسلكون عادات وتقاليد ومظاهر عمرانية عربية هي نفسها على ضفتيه. والادعاء بأن صفة أخرى للخليج غير صفة «العربي» قد وردت في المصادر الأجنبية، هو ادعاء مردود عليه.. فها هي خرائط البرتغاليين أيضاً، وكانوا من الذين مروا مبكراً بالخليج، يسجلونه بصفته العربية الثابتة. وإذا كانت الأسماء تمثل دليلاً على الملكية، فلماذا إذن تم تغيير أسماء عربية قديمة جداً على الضفة الأخرى للخليج؟ من هذه الأسماء ما أورده الدكتور فالح حنظل في كتابه حول الخليج العربي الصادر عن «المجمع الثقافي».

إن بطولة «خليجي 25» شكلت فرصةً ستساعد في تعزيز العلاقات بين العراق وبقية دول الخليج العربية، كما مثلت علامةً فارقة على التعافي بعد السنوات العجاف والاضطرابات السياسية والأمنية التي عانى منها العراقُ وأنهكته. ومنذ بداية البطولة تم استقبال المنتخبات الشقيقة على أرض البصرة بطريقة رائعة وترحاب كبير، إدارياً وتنظيمياً ولوجستياً.

وبذلك يمكن القول إن العراق عاد إلى حضنه الخليجي، وهو ما يتضح مرةً أخرى من التصريحات التي تتحدث عن «الخليج العربي» على ألسنة كبار الشخصيات السياسية والرياضية العراقية، وهي شخصيات لا يبدو أي منها في وارد الاعتذار عن تصريحاته في هذا الشأن، بل المتوقع أن نرى في الأيام القادمة مزيداً من التأكيد على الهوية العربية للعراق بصفة خاصة وللخليج العربي بصفة عامة.