ترفض الحكومات المتعاقبة الاعتراف بالفشل، بالمقابل تطلب من الشعب أن يعطيها ما لا تستطيع مبادلته به، ورغم ذلك تسعى إلى الاستقرار، فكيف تركب هكذا معادلة؟
إذ بينما المطلوب من الشعب الولاء، لا تقدم الدولة ما يدل على اقترابها منه، بل هي “عين عذاري” بكل معنى الكلمة، تروي البعيد فيما شعبها يعاني الظمأ، فهل يعقل ان تقرض الكويت ما يزيد على 105 دول من أجل التنمية المحلية فيها، وتطوير بناها التحتية، فيما بناها التحتية متخلفة لم يجر تطويرها منذ ما قبل الغزو، وحتى المشاريع التي جرى تنفيذها خضعت للمساومات والرشاوى؟
أليس مستغرباً أن حجم القروض والمنح الكويتية للخارج يتعدى 40 مليار دولار، في وقت ملزمة في مارس المقبل بأن تسدد نحو 8 مليارات دولار قروضاً وسندات لبنوك خارجية؟
كيف يمكن أن تطلب الحكومات المتعاقبة الاستقرار في العلاقة بينها وبين مجالس الأمة، ولا تقدم على أي خطوة تقربها منه، ومن الشعب، فلا هي عملت مثلاً على إصلاح التعليم، وتكفي فضيحة الغش وتجارة تسريب الأسئلة كي نعرف كيف أن الدولة تنفق على إصلاح التعليم في الخارج، فيما “بابها مخلع”؟
أما في القطاع الصحي فيكفينا أننا ننفق ما يزيد على 2.69 مليار دينار سنوياً فيما لا يزال العلاج في الخارج يستهلك نسبة لا بأس بها من الميزانية، بينما المفترض أن تكون الكويت، ومنذ سنوات قد تخلصت من الاعتماد على العلاج في الخارج، بل تحولت جاذبة للاستشفاء على غرار الإمارات!
وفيما تتحدث كل برامج الحكومات المتعاقبة عن المشاريع التنموية وتعزيز الاستثمار المحلي، فهي في المقابل مصممة على إقفال البلاد بوجه العالم كله، فلا يدخلها إلا كل ذي حظ عظيم، من رضي عنه تجار الإقامات والمسؤولون في القوى العاملة والداخلية، بل حتى المقيمون في البلاد الذين من المفترض أن تستفيد منهم الدولة كقيمة مضافة، وأن تغريهم بإنفاق مدخراتهم في البلاد، تضغط عليهم إلى حد خنقهم، إلى درجة أن البلاد باتت تفتقر إلى اليد العاملة الماهرة، وهذا بالطبع يضغط على ميزانية الأسرة المواطنة.
أضف إلى هذا أن ثمة مشكلة لا تزال عصية على الحل، فيما هي بسيطة إلى حد يمكن حسمها بقرار من حكومة تصريف العاجل من الأمور الحالية، أقصد بذلك قروض المواطنين غير التجارية البالغة 1.9 مليار دينار، وهي للأسف حمّلتها الحكومة المستقيلة والحكومات السابقة الكثير مما لا يمكن أن يصدقه عاقل، إذ زادت عليها القروض الإسكانية والتجارية و”سوق المناخ”، ورفعتها إلى ما يزيد على 23 مليار دينار.
قبل كل شيء يكاد هذا المبلغ يعادل نحو 100 في المئة من حجم القروض الكويتية للخارج، وفي الوقت نفسه، أن زيادة الرقم هي نوع من الاحتيال على الشعب، الذي تعاني نسبة
لا بأس بها منه من أزمة المديونيات التي كسرت ظهر الكثير من الأسر، وأدت إلى زعزعة استقرارها، بينما المطلوب إذا لم ترغب بإسقاط القروض أن توقف الإكراه البدني على الغارمين، وترفع عنهم منع السفر وتسمح لهم بالوصول إلى الخدمات، فهو المعمول به في كل دول العالم، لأن تلك ديون مدنية وليست سرقة أو تزويراً، ولا هي اختلاسات، كالتالي يجري التغاضي عنها، بينما ليست أجهزة الدولة كافة محصلة ديون لمفرطين بأموالهم.
لنفترض أن الحكومة لا تريد خدمة الشعب، لكن عليها بالحد الأدنى أن تعمل على التخفيف عنه، إذ لا يعقل أن تطلب منه الولاء وهي تطعنه بالصدر، فهذه المعادلة لا تستقيم إلا بوجود إرادة من ولاة الأمر لتغيير قواعد اللعبة وإصلاح العلاقة بين الشعب ومجلس الأمة والحكومة، وإلا ستبقى الكويت
“كالعِيسِ في البيداء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمولُ”!