على وقع تداعيات المعركة السياسية والقضائية، والخلاف حول التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت، وفي ظل استمرار الانسداد السياسي الذي يحول دون انتخاب رئيس للجمهورية، رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 أكتوبر الماضي، حلَّق سعرُ صرف «دولار بيروت» إلى مستويات قياسية، متجاوزاً كلَّ السقوف ومسجلا 58 ألف ليرة. وحلَّقت معه أسعارُ المحروقات والمنتجات النفطية والمواد الغذائية والاستهلاكية، منذرةً بمزيد من «الانزلاقات الانهيارية»، بما يهدد أرزاقَ معظم اللبنانيين ومعيشتَهم اليومية.

وفي ضوء التطورات السلبية المرتقبة، يتوقع المراقبون مزيداً من الارتفاع لسعر صرف الدولار، وبلا أي أُفق أو سقف محدد، مع استمرار «الفراغ الرئاسي»، خصوصاً أن المرحلة المقبلة ستشهد «فراغات» متعددة ومتنوعة لمناصب قيادية في الدولة، تبدأ بانتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزيف عون في 10 مارس المقبل، مروراً بانتهاء ولاية مدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ولا تنتهي بانتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 31 يوليو المقبل. مع العلم أن إصدار مراسيم بتعيين خلفاء لهم يتطلب الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.

لا شك في أن منصة «صيرفة» التي يعتمد عليها مصرف لبنان منذ انطلاقتها في مايو 2021 للجم صعود الدولار، تمهيداً لتوحيد سعر الصرف بناءً على طلب صندوق النقد الدولي، قد فشلت في تحقيق مهمتها في مواجهة المضاربين، وهم من كبار الصيارفة وبعض المصارف، وبمشاركة بعض الأحزاب الفاعلة والقادرة على التأثير مالياً. حتى أن هذه المنصة لم تتمكن من مواكبة تطور انهيار سعر صرف الليرة. ويرى بعض الخبراء أن «المركزي» يكاد يكون قد فقد سيطرتَه على السوق السوداء، بدليل الفارق الكبير بين السعر المتداول فيها وسعر المنصة، والبالغ نحو 20 ألف ليرة. مع الإشارة إلى أنه جمع في العام الماضي 5 مليارات دولار من السوق، لكنه أنفق مقابلها 7 مليارات، ضمْنها 3.2 مليار دولار من احتياطيه النقدي الذي يقل عن 10 مليارات دولار.

أما بالنسبة لخسائر الموازنة، فقد شكا الرئيس ميقاتي من ضآلة موازنة العام الحالي، والتي بوشر بتنفيذها، بقوله «إن حجم الموازنة تقلص إلى نحو مليار دولار فقط، بعدما كان يوازي 17 مليار دولار»، لكن جاءه الرد من تقرير حديث لصندوق النقد الدولي يؤكد فيه أن الخزينة فوتت على نفسها ما نسبته 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2022 من الرسوم والضرائب التي كان يفترض أن تستفيد منها لتكون قادرةً على مضاعفة وارداتها وموازنتها، لو أن الحكومةَ اعتمدت سياسةً منظَّمةً ومدروسةً لتوحيد سعر الصرف. وتوقع الصندوق استمرار الخسائر من واردات الدولة لتقارب 4.3% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الحالي.

وبما أن «المركزي» فقد الكثير من أدواته لمنع تدهور الليرة، واقتصر دوره على إنفاق الدولارات من موجوداته، ومع حلول «الدولرة النقدية» محل «الدولرة المصرفية»، بات مجبراً على أن يزيد حصتَه السوقيةَ بالليرات النقدية في عمليات التبادل، وذلك في محاولة لإطفاء الخسائر من خلال تحويل الودائع الدولارية إلى ليرات نقدية يتم ضخها في السوق. وهكذا تقتصر أدواته على خلق الليرة لتمويل الموازنة.