تعددت صور تشخيص مراكز البحوث السياسية في دول الغرب لما هو متوقع للمسار الذي ستتخذه حرب أوكرانيا في عام 2023، ولفتت نظري رؤية المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهو من أهم مراكز الفكر السياسي لعموم دول أوروبا، وله مكاتب رئيسية في سبع عواصم أوروبية. وترجع أهمية وجهة نظره أولاً إلى أنه يقيس التوجهات في دول الغرب، التي تعد أساسية في الأزمة الراهنة مع روسيا. وثانياً لأنه يطرح رؤية تتسم بقدر معقول إلى حد ما من الموضوعية، في تناول الوضع الراهن لتلك الأزمة، وطرح حلول ينبغي على الغرب وروسيا اتخاذها، للوصول إلى حل قريب للنزاع. وجاء ذلك ضمن تقريره الذي حمل عنوان: «القديم يتلاشى والجديد في حالة ولادة متعسرة».

تضمن التقرير عرضاً لخطوات بعضها ينبه إلى وجود خطأ في حسابات جميع الأطراف، في التعامل مع الأزمة، ثم يطرح نصائح لما ينبغي القيام به من أجل حل معقول للصدام بين روسيا والغرب.

هنا أنقل مقترحاته.. فهو يريد من صنّاع القرار السياسي في روسيا، والاتحاد الأوروبي على السواء أن يقدم كل منهما للعالم وضعاً متعدد الأوجه من وجهة نظر كل منهما لما يهدد أمنه. وعلى الغرب أن يقدم تفسيراته للتحديات التي أوجدتها حرب أوكرانيا. وأشار التقرير إلى أن ما كان الغرب قد قدمه عن هذه التحديات، ينقصه وجود تصور واضح عن إمكان الانتصار في تلك المواجهة؛ من حيث إنه لا توجد وجهة نظر موحدة ومتفق عليها حول الكيفية التي يمكن أن ينتهي بها النزاع بينهما. كما لا يوجد لدى الاتحاد الأوروبي توجه موحد يقودهم للمضي في سياسة قاطعة تجاه روسيا. وهو ما لوحظ في مراحل مختلفة.

ويقول التقرير: لقد أثبتت أبحاثنا أن الهجوم الروسي قد أحدث صدمة لصنّاع السياسة في أوروبا، والذين سيطر عليهم في البداية عدم اليقين بشأن تطور الأحداث طوال عام من النزاع، ثم وصل الحال بصنّاع السياسة في معظم عواصم أوروبا إلى توقعهم حرباً طويلة، سوف تنتهي إلى تجميد الموقف بين أطراف الحرب.

وأصبح الرأي العام يتوقع أن تجد روسيا وأوكرانيا نفسيهما في مأزق، تستنزف فيه الحرب قدرتهما على تحقيق أي منهما تقدماً في موقفها. وبدأت الأمور تتخذ صورة تبدو وكأننا في حرب وصلت إلى حافة الهاوية، وبعد أن أثارت الحرب تساؤلات عديدة بلا إجابة قاطعة، لكنها تبرهن على أنها من أكثر الأحداث جلباً للتشوش والارتباك.

وأشار المجلس إلى أن استطلاعات الرأي الجديدة في أوروبا، أظهرت أن الأوروبيين منقسمون بشدة حول الكيفية التي يمكن بها إنهاء الحرب. فقد أوضح 35% أنهم يريدون السلام وإنهاء الحرب بأسرع ما يمكن. بينما يريد 22% معاقبة روسيا، واستعادة الأراضي الأوكرانية التي ضمتها إليها.

ولما كانت رؤية المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، تعكس صوره لنظرة أوروبية للنزاع بسبب أوكرانيا، فقد كان هناك تقرير أوروبي آخر يتماشى مع نفس الاتجاه لمركز البحوث الذي يحمل اسم An Injustice (انعدام الظلم)، وأشرف على إعداده الخبير الدولي رايان كنوستون الذي تنشر دراساته العديدة في الغرب، حول المشكلات الدولية الراهنة، وكان عنوان التقرير: «حرب القرن الواحد والعشرين وعواقبها علينا جميعاً». ويقول: إن النزاع حول أوكرانيا هو التجربة الأشد خطورة في هذا القرن، فيما يتعلق باستقرار ومتانة النظام الدولي. ومع ذلك فإن الأزمة الراهنة لا تزال أمامها فرصة يمكن أن تنتهزها الأطراف الثلاثة؛ وهي: روسيا، وأوكرانيا، والغرب، بقيادة الولايات المتحدة.

وهناك أيضاً فرصة للتراجع عن التصعيد، والدخول في مفاوضات جادة حول قضايا تتعلق بالأمن الجماعي في أوروبا. وينبغي على جميع الأطراف أن تتبنى دعوة عاجلة لقمة متعددة الأطراف تحت إشراف الأمم المتحدة، على أمل إنجاز اتفاق قانوني قابل للتنفيذ والدوام.

الصورة كما طرحها المجلسان الأوربيان، تعكس وجود توجهات متزايدة ليس فقط لدى الرأي العام؛ بل أيضاً من جانب مؤسسات متخصصة ولها وزنها في الغرب، ترى أن الوصول إلى حل للأزمة حتى وإن صوره البعض بأنه يواجه طريقاً مسدوداً، إلا أن أمامه منافذ يمكن المرور منها لإنهاء تلك الأزمة التي يعاني تبعاتها القاسية والضارة، العالم بأجمعه.

إلا أن هناك أيضاً بعض الخبراء السياسيين والعسكريين الذين اقتنعوا بأن طرفي النزاع مشتبكون في نوع من الحرب التي ليس فيها منتصر أو مهزوم.