لا داعي للتفكير طويلاً لاستنتاج الإجابة عن السؤال المطروح في العنوان، بقدر أنه محاولة لفت انتباه السياسيين في أوروبا نحو التفكير، بأن لا يكتفوا بالاعتقاد أن مبادراتهم القائمة على تكثيف تزويد أوكرانيا بالسلاح والعتاد العسكري، فيه الخير على العالم وعلى الأمن الأوروبي.

أغلب نصائح الاستراتيجيين العالميين، ومنهم هنري كيسنجر، أشهر وزير خارجية في العالم، الذي يدرك ما يفكر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من واقع معرفته الشخصية له، تؤكد أن الأمر قد يتسبب بنتائج خطيرة؛ لأنه بمجرد العمل على هزيمة روسيا وكسر شخصية الرئيس بوتين فإن العالم قد يواجه كارثة حقيقية.

مناسبة هذا الحديث أن الحرب الروسية-الأوكرانية تدخل اليوم عامها الثاني مع تصاعد صوت طبول الحرب بقوة في مؤتمر ميونخ للأمن، الذي عقد أخيراً، ومع تزايد تعقيدات العلاقات الروسية-الغربية بشكل يدعو المراقبين إلى الخشية والقلق من انزلاق «المهمة المحدودة» لتكون حرباً روسية تشمل أماكن أبعد من أوكرانيا.

يحدث ذلك في مقابل تراجع واضح في لغة اللجوء إلى الحوار والوساطات لصالح دعوات لفتح مخازن الأسلحة لأوكرانيا، خاصة من بريطانيا وفرنسا وحتى ألمانيا، عوضاً عن الولايات المتحدة، وهو ما يرجح أن هذه الحرب ستشهد تطورات نوعية في عملياتها.

هناك عاملان اثنان يدعمان تكهنات التعقيد في الحرب الروسية-الأوكرانية؛ العامل الأول: تمسك الرئيس زيلينسكي برفض أي طرح سياسي يدعو إلى إيقاف الحرب دون استرجاع أوكرانيا لأراضيها التي تسيطر عليها القوات الروسية منذ عام 1991، والمقصود هنا جزيرة القرم، بل يطالب بتعويضات على روسيا لشنها حرباً، في إشارة إلى الرغبة في كسر صورة بوتين رجل الاستخبارات السوفيتية السابق، وهو ما يدل على الإصرار على الحرب؛ لأنه يدرك استحالة قبول روسيا ذلك.

العامل الثاني أن الرئيس بوتين، قيصر روسيا الجديد، لن يقبل بأي حل قد يفهم منه التقليل من مكانته السياسية، أو خسارته بوصفه قائداً يسعى لاستعادة أمجاد بلاده، وكذلك بعد أن تضررت سمعة الجيش الروسي، ولن يقبل كشخص يريد أن يسجل لنفسه مجداً في آخر أيام عمره السياسي، وإلا عليه أن لا يفكر في عودة روسيا بصفتها قطباً دولياً بجانب الولايات المتحدة والصين.

النقطة التي ينبغي أن تكون حاضرة في ذهنية صانع القرار الأوروبي وحتى الأمريكي، وهو يدعو لزيادة تسليح أوكرانيا، أن «المعادلة الصفرية» في هذه الحرب ينبغي ألا تكون موجودة، فليس من مصلحة أحد هزيمة روسيا واعتبار أن خسائرها الاقتصادية والاستراتيجية هي مكاسب للغرب، وإلا سيعني الأمر مد الحرب لتكون بين روسيا والناتو، وهنا ينتهي أمر توفير الأسلحة والذخائر التي يطالب بها الغرب، ليكون هو نفسه جزءاً من الحرب.

حتى قبل انعقاد مؤتمر ميونخ للأمن، كان يمكن فرز موقفين في أوروبا حول هذه الحرب؛ الموقف الأول متحمس لاستخدام القوة العسكرية، باعتبارها وسيلة تحقيق السلام، وكانت بريطانيا على رأس هذا التوجه، أما الموقف الأوروبي الآخر فهو متردد من توسعة الحرب، وكانت فرنسا وألمانيا تقوده، ولكن بعد مؤتمر ميونخ وبعد إعلانهما دعم أوكرانيا صراحة بات الكل تقريباً مقتنعاً بأننا أمام تطورات عسكرية حاسمة خلال الأيام المقبلة.

كثيرون راهنوا على عقلانية الحكومات الأوروبية للابتعاد عن لغة الحرب التي تضر بالمجتمعات الإنسانية، وإعادة التفكير في طريقة بعيدة عن المخاطر التي تهلك الإنسان. وربما لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية نجد أوروبا الغربية تبتعد عن البراغماتية السياسية في التعامل مع الأزمات التي تهدد استقرارها، خاصة فرنسا التي كانت لها سياستها الخاصة منذ أيام شارل ديغول، مؤسس الجمهورية الخامسة، أثناء الحرب الباردة.

صانع القرار الأوروبي يبدو أنه لا يعير اهتماماً كبيراً لما يحدث من تطورات في الأزمة الحالية، بقدر ما نرى أنه يسعى نحو تعميق الأزمة من أجل زيادة الضغط على بوتين للرضوخ للشروط الأوكرانية، لكن على الأوروبيين كذلك أن يبقوا احتمال أن بوتين قد يمد الحرب إلى خطوط تزويد السلاح في أوروبا، وهنا تكون الكارثة.