في الإمارات ليس على كل إنسان إلا أن يغمض عينيه ويحلم بغد أفضل. على هذه الأرض الطيبة أصبحنا على موعد يومي مع الأمل والطموح، وكل ما من شأنه أن يزرع في قلوبنا فرحة ويحث عقولنا على التأمل والتفكير. في وطن الخير.. وطن زايد لا سقف للتطلعات ولا حدود للإنجازات.

في أقل من أربعة أعوام أطلقت الإمارات مسباراً للأمل وأرسلت اثنين من أنجب شبابها في مهمتين إلى الفضاء، ولنتأمل المدة الزمنية، أربعة أعوام، أي أقل من لحظة بمقياس الزمن أو بمعيار التاريخ. هو إنجاز أقرب إلى المعجزة، ملحمة جديدة تدور وقائعها في الإمارات، حدث له أكثر من معنى ومغزى ودلالة. ولكل منا أن يسأل نفسه.. ماذا يعني ذلك؟ وما هي رمزيته؟ وماذا يمثل من إضافة إلى وطن يسابق الريح وإلى أمة تسعى إلى استعادة مكانتها المستحقة؟

هي أربعة أعوام وحسب، تلك المدة التي انضمت خلالها الإمارات إلى البلاد التي ترتاد الفضاء.. أربعة أعوام تلخص استراتيجية متكاملة للدور والمكانة، الدور الذي رسخه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والمكانة التي تكبر يوماً تلو الآخر مرتكزة على نجاحات في مختلف الحقول ومؤشرات عالمية حققت فيها الإمارات مواقع متقدمة. ولكن قصة الفضاء حكاية مميزة تستمد أصولها من طموح لا نهاية له، تتصاعد أحداثها وفصولها بسرعة تجعلنا نلهث وراءها، وتدفعنا لكي نتأمل في سؤال: كيف استطاعت دولة عمرها خمسون عاماً أن تنضم إلى نادي الكبار؟ كيف تجاوزت الحواجز التي كان يضعها بعض المتشائمين واليائسين والمنهزمين أمام العرب وقدرتهم على مجاراة العالم؟ لنكتشف أن وراء الصعود إلى الفضاء مئة قصة وقصة تستحق أن تروى إلى الأجيال الجديدة، هنا حكاية عن بنية علمية وتعليمية، وهناك حكاية عن رؤية سياسية، وفي هذه الزاوية بإمكانك أن تعثر على إرادة لا تلين ولا تعرف المستحيل، الذي لا مكان له في قاموسها، وفي تلك الناحية تجد رؤية منفتحة وعملاً وجهداً دؤوباً، وهناك قيادة لا همَّ لها إلا بناء الإنسان ودعم الشباب، وهي توفر في سبيل ذلك مختلف الإمكانيات ولا تدخر جهداً في إسعاد شعبها ورفاهيته، والأهم أنها تعرف مفتاح الولوج إلى المستقبل، وقد عملت في سبيل ذلك منذ عقود طويلة.

دروس كثيرة تزخر بها تجربة الإمارات مع الفضاء، ونستطيع قراءتها في الفصل الثالث من تلك التجربة المتمثل في رحلة سلطان النيادي إلى المحطة الدولية في أطول مهمة لرائد فضاء عربي تستغرق ستة شهور. على رأس تلك الدروس ذلك الفخر الذي بثته تلك الرحلة في الوطن على امتداده، لقد قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، على تويتر: «انطلاقة جديدة لطموح دولة الإمارات يحملها ابنها سلطان النيادي في ثاني مهمة إماراتية لمحطة الفضاء الدولية.. فخورون به وبأمثاله من شباب الإمارات الذين يعملون لرفع راية الوطن وتعزيز إسهاماته في خدمة البشرية»، كلمات بسيطة لكنها مؤثرة، كلمات قوية تدرك معنى الرحلة وتعرف أن وطننا معطاء وجزء مهم من البشرية عليه أن يعمل على تقدمها وإسعادها. أما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، فقال بدوره: «أبناء الإمارات فخر وعز.. أبناء الإمارات يرفعون رؤوسنا في العالم.. ويرسمون لشباب العرب طريقاً كله أمل وعلم»، وهي رؤية بدورها تدرك جيداً أن رحلة النيادي طاقة أمل لكل الشباب العرب، أولئك الشباب الذين يستطيعون تحقيق المعجزات لو توافرت لهم الظروف.

لقد خفق قلب الوطن بأكمله لحظة إطلاق الصاروخ الذي حمل النيادي إلى الفضاء، وهناك مشاهد كثيرة تستحق القراءة والتحليل، ولكن أكثر ما استوقفني فيها، تلك السعادة الغامرة التي رأيناها على وجوه أطفال المدارس وهم يصفقون بفرح وبهجة عندما نجح الإطلاق.. لحظة ترسخ في وجدانهم حب وطن يحلق بهم في آفاق لا نهاية لها.. لحظة يتحول خلالها كل واحد منهم إلى أمير صغير يفكر في ما يعده له هذا الوطن في الغد، موقف تملكهم فيه الشغف وانتابهم قبس من مغزى صعود النيادي، ذلك الشاب الإماراتي العربي إلى الفضاء، حيث يغمضون أعينهم البريئة التي بالكاد تتفتح على الدنيا ويتخيلون عوالم لا حدود لجمالها ويرسمون في رؤوسهم لوحات زاهية لمفاجآت مستقبل واعد ينتظرهم.

ما حققته الإمارات في قطاع الفضاء إضافة لافتة لأمتها وللإنسانية، ويستحق قراءات وتحليلات مستفيضة في أكثر من مفصل استطاعت الدولة فيه أن تنجح بجدارة، لتتضافر كل تلك المفاصل في النهاية ونصل إلى الحلم الأكبر.. إلى الفضاء، وخلال ذلك ليغلق كل منا عينيه ويحلم ويتوقع الأفضل، فنحن في الإمارات ولا نعرف ذلك الإنجاز الذي سيفاجئنا به وطننا الحبيب في الغد.