الزمن يدور بما يحمل، والأعوام تتقلب، والأيام تُتداول.. شهر رمضان الموسم الإيماني العظيم، والجو الروحاني المريح نتسلّمه اليوم وهو يستلمنا فنحن عهدته وهو عهدتنا والأعمال هي المحتوى فتتجلى إثباتُ الإرادة وإعلانها، فتنبعث جماليات التنبه الإنساني العام لفروض الرحمة والإنسانية والبر.

شهر فضيلة آثره الله تعالى بالصيام، دون سائر الشهور، ولا يتحقق الأثر، إلاّ لمسبقات وغايات وحكم جعلته جديراً بهذا الفضل المعكوف الذي ينزع من الفرد المسلم أثقال الأشهر السابقة فيُنفض من الرواسب والأعباء بتطهير معنوي، وشغف روحاني، ومنطلق إيماني عميق، فيتدرب الصائم فيه على الصبر والمثابرة، ويقوّم فيه عزائمه ويهذب عواطفه، وهو شهر المواساة، يتواضع فيه الغني، ويسمو الفقير، وهو شهر المحبة والصفاء والسكينة والسلام، وذلك حكمة كبيرة من حِكَم الصوم، وهي عملُهُ في تربية الذات وعسفها وتقويتها بهذا الأسلوب العملي، والعبادة الفعلية والقولية.

لذا نحاول أحيانا أن نراجع ذواتنا ومسؤوليتنا الداخلية لقراءة واقعنا وأسلوب استقبالنا وتعايشنا وعاداتنا في هذا الشهر الكريم وبالذات فيما يرتبط بقضاء الوقت أمام الوسائل المختلفة فتتجه بحواسك نحو تأمل زمن صعب متغير مليء بالمثيرات والمتغيرات والمستجدات.. تتساءل هل أصبحت فلسفة وقيمة رمضان مائلة باتجاه يخالف معيارية الصوم دعونا نروغ إلى ظاهر وشكل يبدو مسيطرا على وجاهة هذا الموسم فتتأمل.. تراقب.. تجد أنه بدأت أصوات الجذب والتسويق الخاصة برمضان.. فتتنقل بين كثير من القنوات.. تشاهد عروضا وإعلانات تشير إلى استنفار فضائي، ودورات برامجية مشحونة بزخم هائل من المحتوى.. يتسابقون فيما بينهم لاحتلال الشاشات، وجذب الجمهور وكل ينضح ببرامجه ومضامينه ومسلسلاته تسابقا في لفت الانتباه من قنوات عربية متنوعة.

الغريب حقا.. تجد أن كثيرا من هذا الطفو البرامجي يقصد بالعرض في رمضان حيث قناعة أولئك أن هذا الشهر تتكاثف المشاهدة، ويتزاحم الجمهور فيتم تسويق منتجاتهم في هذا الشهر ولا تجد ذلك في غيره من الشهور.

للأسف أن رمضان وُضِع في قالب مشوّه أفسد صورته المفترضة دون محاولة البعض لفرز التلقي الفضائي، وكذلك كان عند الكثير هو موسم طعام وفوانيس سهر وتسالٍ.. لذلك فالمتلقي والمشاهد لذلك هو شريك فعلي يوجه المستثمر في الإنتاج الإعلامي إلى إنتاج مثل تلك الأعمال بطريقة واسعة.

وعندما نخطئ في خياراتنا بالتصالح مع مقام رمضان.. من هنا قد يصعب كثيرا تحقيق الغايات من ذلك ويصعب تعزيز القيم الاجتماعية والنفسية في قانون العرض والطلب.. ونظام الربح والخسارة. لأن فضاءات الاستثمار مفتوحة ومليئة بشرائح مختلفة ذات اهواء متنوعة ومشارب متعددة فلا يحكم ذلك المفروض والواجب والأولى.

ويبقى القول: العجيب حقا أن البعض يحاول أن يكيّف موسم رمضان ومتطلباته مع متطلبه الشخصي لا أن يحاول أن يتكيف هو مع رمضان الكريم.. وإن كان يعز على الكثير هذا التغير في موسم الخير رمضان بعادات طقوسية مختلفة.. لكن تبقى مسؤولية القبول أو الرفض والمنع والتخلي خاضعة لميزان الرقابة الذاتية، وقانون النفس.. فالكل تلزمه خياراته ويتحمل انتقاءاته فلا أحد سيكون وصيا على أحد. فماذا سيكون موعدنا مع رمضان وكيف سنستلم ونرد عهدتنا؟