تعرّض القطاع المصرفي الأميركي لهزة كبيرة بعد انهيار عدة بنوك تعمل مع قطاع صناعة التكنولوجيا ومن بينها «سيلكون فالي»، «سيغنتشر»، «سيلفر غيت». اليوم تنذر تلك الأزمة بمخاوف على الأسواق العالمية وسط مساعٍ جماعية لاحتواء الموقف وإيجاد حل سريع لتجاوز المخاطر. وعلى سبيل المثال؛ «سيليكون فالي» العريق يتعامل مع نحو نصف شركات التكنولوجيا الأميركية الناشئة، وقد تفجرت أزمته بعدما سحب المودعون نحو 42 مليار دولار في يوم واحد، وقبل ذلك تكبد خسائر فادحة بلغت نحو 15 مليار دولار مع تراجع قيمة السندات التي بحوزته، فانتهى المطاف به إلى إعلان إفلاسه.

إثر تلك الانهيارات حدثت اضطرابات في الأسواق العالمية، فباتت المليارات من ودائع شركات ومستثمرين في مهب الريح، وخسرت القيمة السوقية لأسهم القطاع المصرفي الأميركي أكثر من 100 مليار دولار خلال 48 ساعة، كما خسرت أسهم البنوك الأوروبية 50 مليار دولار من قيمتها، وامتدت الخسائر إلى الصين وغيرها من الدول.

أصابع الاتهام بالتسبب في الأزمة تشير نحو البنك المركزي (الاحتياطي الفيدرالي الأميركي) الذي وقع مسؤولوه بين شقي الرحى ويواجهون وضعاً صعباً يتطلب منهم كبح جماح التضخم، وتجنب تفاقم الصعوبات التي تواجهها البنوك، غير أنهم لم يجدوا وسيلة لمواجهة الارتفاع غير المسبوق للتضخم إلا بزيادة أسعار الفائدة، الأمر الذي اضطر البنوك لدفع معدلات فائدة أعلى بكثير من قدراتها للمودعين، فأصيب بعضها بحالة ترنح. والمثير أن رفع أسعار الفائدة في أميركا تعدى أثره الشركات والبنوك المحلية ليهوي بعملات كثيرة.

في الظاهر يبدو الأمر مشابهاً لما حدث عام 2008، الأزمة التي أطاحت بمؤسسات أميركية وأوروبية كبرى مثل ليمان براذرز نورثرن روك، بير ستيرنز، واتش بي أو أس، واكوفيا، كما أدت إلى إغلاق بنك واشنطن ميوتشوال للادخار، أما أزمة اليوم، ورغم أن البنوك الكبيرة لم تتأثر، إلا أن أسهم عدة بنوك متوسطة الحجم أو محلية تراجعت في سوق البورصة في ظل قلق المستثمرين.

أوروبياً؛ تخلت الأسهم عن مكاسبها لتسجل أكبر انخفاض لها خلال خمسة أشهر عقب المخاوف من القطاع المصرفي والخسائر التي مُني بها سهم بنك «كريدي سويس» قبل أن يتم تعويمه من قبل البنك المركزي السويسري بنحو 54 مليار دولار، أما خليجياً فمن المرجح أن يكون التأثير محدوداً وفقاً لوكالة موديز، بسبب الامتيازات القوية للبنوك والدعم الذي تحصل عليه من الحكومات.

الصورة لم تتضح بعد بشكل كامل بشأن ما يمكن أن تؤول إليه الأزمة، وهل سيتم احتواء آثارها أم ستتفاقم أكثر، وهو ما لا يتمناه أحد خصوصاً وأن الاقتصاد العالمي ما يزال يتعافى ببطء بسبب الأزمات الطاحنة التي عصفت به منذ تفشي وباء كورونا ثم اندلاع الحرب في أوكرانيا. لكن إذا خرجت أزمة بنك «كريدي سويس» عن السيطرة فإن التداعيات على أوروبا ستكون هائلة.

أزمة «سيلكون فالي» تثير الريبة إذا علمنا أن ترتيبه بين أكبر البنوك الأميركية هو الـ16، وقيمة أصوله - نهاية 2022- تجاوزت 209 مليارات دولار، وقيمة ودائعه 175.4 مليار دولار، أما مديره المالي الأول - جوزيف جنتيل – فقد سحب أسهمه من البنك قبل إشهار الإفلاس مباشرة، وقد يكون في تصرفه هذا شبهة فساد. وتتعاظم الريبة إذا علمنا أن «جنتيل» كان المدير المالي السابق في بنك «ليمان براذرز»، الذي أشهر إفلاسه عام 2008 وكبد الاقتصاد العالمي خسائر تُقدر بتريليونات الدولارات. وفي النهاية الضحايا ممثلون بالأفراد والشركات الصغيرة والناشئة بحاجة إلى تفسير مقنع لما حدث وسيحدث، خصوصاً بعد أن استحوذت شركة «فرست سيتيزنز» على البنك.