لست في وارد أن أعطي مفردة الشراكة ومفهومها تعريفًا؛ لأن لذلك مختصيه، ولكني أفهمها على النحو الآتي: هي فعل إرادي يجمع الأفراد أو المؤسسات أو الأفراد والمؤسسات بهدف تقوية فعاليتهم؛ لتحقيق ما يصبون إليه من الأهداف الوطنية الموضوعة. فالشراكة، بهذا المعنى، شكل من أشكال الواجب المواطني المؤطر بفعل جماعي يروم تعزيز الوحدة الوطنية، وتحويلها من مبدأ عام مجرد إلى ممارسة عملية تُرى رؤية العين، ويحافظ على السلم الأهلي بفعل خلق مناخات التعاون المثمر والخلاق التي تذيب حدة الخلافات وتحولها من قوة معرقلة إلى قوة تدفع دائمًا في اتجاه ابتكاري تُستنبط به الحلول لسائر المشكلات، ويخلق قاعدة مادية ومعنوية صلبة للتنمية الشاملة.

وما دعوة وزير الداخلية، رئيس لجنة متابعة تنفيذ الخطة الوطنية لتعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة «بحريننا»، معالي الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة إلى واجب الالتفاف حول القيادة السياسية في البلاد، في كلمته بيوم الشراكة الوطنية في الثامن عشر من الشهر الجاري، إلا تعبير صادق عن هذه الفلسفة المجتمعية والسياسية التي تؤمن بها قيادة المملكة والتي تنبني على دعائم صلبة زادتها تجارب الأيام وروح الولاء والانتماء المميزة للمواطن البحريني قوة وصلابة، وما دعوته كافة مكونات المجتمع البحريني ليتشاركوا في الفعل الوطني تقوية للحمة الوطنية، وتعظيمًا لقيم الانتماء إليه وقيم الولاء المطلق لمملكة البحرين بقيادة جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة ملك المملكة، إلا تأكيدًا لمقومات الشراكة الوطنية ودعائمها فكرًا وعقيدة مواطنية وسلوكًا يوميًا يلتزم فيه المواطن بكل ما يترجم قيم الشراكة جسرًا يقود إلى تحقيق معاني الوحدة الوطنية الصماء.

إن مفهوم الشراكة الوطنية في فكر معالي وزير الداخلية ودعوته إلى الأخذ بهذا المفهوم المحوري في مجالات المواطنة والانتماء والعمل الوطني الحق، واعتماده مسلكًا مواطنيًا، ليس بالأمر الجديد، فلطالما دعا معاليه إلى تقوية الشراكة في العمل الوطني بين المواطنين ورجال الأمن منطلقًا من حقيقة مفادها أن المواطن هو خط الدفاع الأول لتعزيز الأمن، ولطالما استغل كل سانحة ليذكر بثوابت الوحدة الوطنية. ولقد أشار معالي وزير الداخلية، رئيس تنفيذ الخطة الوطنية، في كلمته إلى جملة من الإنجازات المحرزة في خضم العمل الدؤوب لتطوير المنظومة الأمنية والحقوقية منوهًا بتزايد أعداد المستفيدين من تنفيذ مشروع العقوبات البديلة، مبشرًا بالانتقال في هذا الشهر الكريم إلى مرحلة جديدة في هذه المنظومة العقابية وهي السجون المفتوحة، تمهيدًا للانتقال إلى مرحلة إدماج المحكوم عليهم تدريجيًا في المجتمع مواطنين أسوياء يستفاد منهم في عملية التنمية. حدث كل ذلك بعد أن تم إنشاء شرطة خدمة المجتمع في سنة 2005 والتي من مهامها تعزيز التواصل مع فئات المجتمع لتحقيق الشراكة المجتمعية انطلاقًا من رؤية جلالة الملك المعظم والقاضية بأن المواطن هو رجل الأمن الأول. وما كان كل ذلك ليتحقق لولا قراءة وزير الداخلية معالي الشيخ راشد بن عبدالله الحصيفة لمتغيرات المجتمع البحريني، ونزوعه العملي والمنهجي إلى التخلص من الآثار السلبية التي عملت جهات مشبوهة عديدة على زرعها في المجتمع البحريني.

وفي ظني أنه ليس بالأمر المستغرب أن يقودنا الحديث عن الشراكة الوطنية إلى تذكر مآسي أحداث شهر فبراير من العام 2011، وهي تلك الأحداث التي عصفت بالمجتمع البحريني وكادت تشطره شطرين عندما أُسقط فعل الشراكة الوطنية وقيمها في بحر الوهم الذي علق في وعي من استسهل بيع وطنه والتفريط بمصالحه وآثر الانضمام إلى شلة البغي والخيانة والانضواء تحت قباب سوداء آذانها في الناس أنْ «حي على الانشقاق». ولا نقول ذلك الآن لاستحضار الأوجاع التي ترتبت عن تلك الأحداث، وإنما بأمل العودة إلى ما يلهب الذات ويوقظها لئلا تقع مرة أخرى في ما وقعت فيه، فقرآننا الكريم يحثنا على الذكرى والاعتبار، إذ قال عزّ جلّ في محكم تنزيله: «وذكّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين».

ومن المهم في هذا الإطار أن نشير إلى أن بقاء فعل الشراكة الوطنية، الذي يدعو معالي الوزير إلى ترسيخه سلوكًا مواطنيًا حاضرًا ويقظًا تتضافر فيه جهود الأفراد مع مساهمات مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني وفق ما تقضي به الخطة الوطنية لتعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة «بحريننا»، مرتبط بالعمل المشترك بين السلطتين التنفيذية والتشريعية على تضييق الفوارق الاجتماعية التي تحدثها الفوارق الاقتصادية بين أسرة وأخرى في المجتمع، وهذا مقصد نعترف بأن بلوغه ليس بالأمر الهين، إذ يتطلب منا عملاً لا يكل ولا يمل على تحسين مستويات دخل الأفراد والقضاء على البطالة وتحسين الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين.

المواطنة في معناها الشامل حقوق وواجبات، أو بمعنى آخر أعطني وخذ مني فعلاً منسجمًا مع الغايات الإستراتيجية الكبرى. وبلا ريب فقد حققت وزارة الداخلية الكثير في مجالات ترسيخ قيم المواطنة وتعزيز الهوية الوطنية وتنمية فعل الشراكة الوطنية، وبات عملها في هذا الشأن ملهما لكثير من مؤسسات الدولة المنخرطة في تنفيذ الخطة الوطنية «بحريننا». فشكرًا وزارة الداخلية لكل ما تبذلين من مجهودات لا مستفيد منها إلا البحرين مملكة نهجها احترام الإنسان وحقوقه ومسلكها العمل الدؤوب على أن تكون البحرين جنة أمن وأمان وبلدًا يطيب فيه العيش دائمًا وأبدًا.