إلى الآن لم تحظَ الأزمة السودانية المتصاعدة مع دخولها الأسبوع الثالث، التي نشبت بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الردع السريع بزعامة محمد حمدان دقلو «حميدتي» بالاهتمام والمتابعة من كل القوى والفاعلين والمؤثرين الدوليين، بالقدر الذي تمثله هذه الدولة من أهمية في الاستراتيجية العالمية.
ما يحدث في السودان من صراع واقتتال لا يقل أهمية وتأثيراً عما يحدث في الحرب الروسية- الأوكرانية من ناحية تداعياتها على الاستقرار والأمن الدوليين، فإذا كان تأثير الحرب الأوكرانية تركز على الغذاء والطاقة، فإن للسودان أهمية جيواستراتيجية، بسبب موقعه الجغرافي على ممر بحري دولي مهم للتجارة العالمية وللنقل البحري، ما يفرض على جميع الدول ألا تستمر في الصمت.
من ناحية البعد الدولي هناك مخاوف كثيرة من تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في السودان، مما سيتسبب بمزيد من التحديات والأزمات، خاصة وأن عالمنا اليوم لديه ما يكفيه من مشكلات وأزمات جميعها مرتبطة ببعضها بطريقة أو أخرى، وكلها تؤثر على بعضها سلباً، وبالتالي أي أزمة جديدة ستزيد من الضغوط على حكومات العالم، وتعرقل من مساعيها في البحث عن حلول ما يؤدي بالنتيجة إلى مضاعفة معاناة الشعوب، أي أنه وبشكل عام لا أحد يريد مزيداً من الحروب والأزمات.
ولو نظرنا في البعد الإقليمي الأفريقي فكل جيران السودان يتابعون، وبقلق ما يحدث في الداخل السوداني، لأنها تكاد تكون أغلبها تعاني من مشكلات ونزاعات، وانفلات في الأمن، وحروب داخلية، وذلك خوفاً من استغلال بعض الجماعات المتطرفة للأراضي السودانية كونها ساحة تحرك وانطلاق يهددها بشكل مباشر، بالإضافة إلى الخوف من بدء هجرة ونزوح جماعي للهاربين من الحرب إلى الدول المجاورة، مما يتسبب بضغوط قد لا تتحملها الحكومات، ولا تستطيع إدارتها والسيطرة عليها.
أما عربياً لدولة السودان أهمية ومكانة مهمة في النظام الإقليمي العربي، فهي من مؤسسي النظام العربي وصاحبة أول قمة عربية، كما أن حاله لا يختلف عن حال أي دولة عربية مؤثرة في النظام العربي، وهو ما يعني أن حاله سيكون له تأثير على «المنظومة العربية» بأكملها.
من الواضح جداً حالة «الصدمة الدبلوماسية» العربية، نتيجة ما يحدث في السودان من أحداث محزنة، حيث لا يوجد من يتمنى أن تنزلق السودان في منحدر الفوضى والدمار، كما حدث في بعض الدول العربية، وهناك حالة من الانتظار والترقب بأن يتخذ أهل السودان قرار التوقف عن الاقتتال وليس الهدنة، من هنا دعت الدول العربية الأطراف المتنازعة إلى التهدئة وتحكيم العقل، والاعتماد على الحوار كونه وسيلة مثلى لحل النزاع، ووضع مصلحة السودان وشعبه أولاً.
وهذا يدفعني إلى أن استعراض الاهتمام الإماراتي بالسودان وشعب السودان، حيث دعت دولة الإمارات أطراف النزاع إلى التهدئة وضبط النفس وخفض التصعيد والعمل على إنهاء هذه الأزمة بالحوار، بالإضافة إلى توجيه القيادة الرشيدة بتوفير مساعدات إنسانية عاجلة للنازحين السودانيين، والذين اضطرتهم الظروف الأخيرة في البلد الشقيق إلى مغادرة منازلهم، وكذلك توفير الدعم للسودانيين الموجودين بدولة الإمارات ممن توقفت رحلاتهم إلى السودان، بسبب الأوضاع الأمنية الاستثنائية في بلادهم.
وكذلك كان الاتصال الهاتفي، الذي أجراه سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الدولة مع الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في جمهورية السودان الشقيقة، الذي أكد خلاله حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات السياسية السلمية الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة، وعلى ضرورة تغليب صوت الحكمة والحوار السلمي، وإعلاء مصالح السودان العليا، والحفاظ على أمنه واستقراره.
عودتنا الإمارات أن تكون دائماً قريبة وداعمة للشقيق العربي أوقات الضيق والمحن، لذلك كان من الطبيعي أن تكون قريبة من السودان وشعبه، حيث يحظى السودان بمكانة خاصة لدى القيادة الإماراتية، ولدى الشعب الإماراتي المحب للشعب السوداني، ولأن الإمارات بلد الحب والوفاء فهي لا تنسى المواقف السودانية المشرفة في المساهمة في التجربة التنموية الإماراتية، منذ تأسيس دولة الاتحاد والعلاقات الإماراتية- السودانية، كما أن العلاقات بين البلدين أبسط ما يمكن وصفها بالمتينة والمتميزة، خلال أكثر من خمسين عاماً.
التعليقات