إذا استمرّت الأمور على وتيرتها الحاليّة، فلن يحلّ الصيف على لبنان قبل أن ينتهي الشغور الرئاسي في لبنان، بعدما انضمّت المملكة العربيّة السعوديّة الى فرنسا، في "استعجال انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة".

وحتى تاريخه، تبدو حظوظ رئيس "تيّار المردة" سليمان فرنجيّة متقدّمة، وسط محاولات تبذلها أطراف إقليمية ومحليّة ليس لاستبداله، إنّما لإيجاد منافس حقيقي له.

وقد حقق ترشيح فرنجيّة، خلال الأيّام القليلة الماضية، خروقًا عدّة، فالمملكة العربيّة السعوديّة أسقطت رسميًّا الفيتو الذي كانت تضعه، بصورة غير رسمية، بوجه فرنجية، والشخصيات النيابية "المستقلة" التي سبق أن أعلنت ارتباطها بتوجهات الرياض أبلغت الجميع بأنّها لن تقاطع أبدًا جلسة الإنتخابات الرئاسيّة، أي أنّها لن تكون جزءًا من تعطيل النصاب، والإعلام الفرنسي الجاد كتب، كما هي حال صحيفة "لوموند"، نقلًا عن مصدر دبلوماسي فرنسي، في إشارة الى الخلية الدبلوماسيّة في قصر الإليزيه، أنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وافق في مراسلاته المباشرة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على سليمان فرنجية.

ولكنّ لم يُعرف بعد كيف يمكن لهذا "التوافق" الفرنسي- السعودي أن يُثمر رئاسيًّا، طالما أنّ القوى المسيحيّة الأساسيّة في المجلس النيابي، أي "القوات اللبنانيّة" و"التيّار الوطني الحر" و"الكتائب اللبنانية"، تظهر "متفقة" موضوعيًّا على تعطيل النصاب في أيّ جلسة يمكن فيها تمرير انتخاب فرنجيّة.

من دون شك، هناك محاولات فرنسيّة جادة لاستمالة البطريركية المارونية التي لها ثقل معنوي على القوى السياسية المسيحية، ولهذا فالترتيبات على قدم وساق، لترتيب زيارة يمكن أن يقوم بها البطريرك بشارة الراعي الى باريس، في بداية حزيران( يونيو) المقبل.

وتملك باريس، في هذا الصدد، نقطة غالية على قلب البطريركية المارونية، إذ إنّ الفراغ الرئاسي بدأ ينعكس سلبًا على المواقع المارونية في السلطة والإدارة، فبعد شغور شمل، حتى تاريخه 15 مركزًا مسيحيًّا، فإنّ خطر تمدده سوف يلحق بحاكمية مصرف لبنان، بداية وبقيادة الجيش، لاحقًا.

وتهدّد باريس بأنّها، في منتصف حزيران( يونيو) المقبل سوف توقف مساعيها الرئاسيّة، وهذا يعني بالنسبة إليها أنّ الشغور الرئاسي في لبنان سوف يمتد لسنوات، لأنّها تدرك أنّ الإنتخابات الرئاسيّة في لبنان، ليست نتاج مسار ديموقراطي بل هي وليدة تسويات تبدأ في الخارج وتمتد الى الداخل، وهي تعتبر أنّ التسوية التي تعمل عليها تبقى الأفضل في ظل الواقع اللبناني الحالي، بحيث يقترح "الثنائي الشيعي" اسم رئيس الجمهوريّة، وينال مناوئو هذا الثنائي من هذا المرشّح الضمانات اللازمة التي تشمل عناوين سيادية واقتصادية وحكومية ووظيفية.

ولا يبدو أنّ القوى المعارضة لفرنجية تمكّنت، على الرغم من المساعي المبذولة، من التوصل الى اسم تطرحه للمنافسة، ويعود ذلك الى أنّ "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل يتحاشى، على الرغم من ظاهر الحال المعاكس، إغضاب "حزب الله"، فهو في واقع الحال، يعمل على استمالة الحزب وليس على إغضابه، نظرًا لحاجة "التيّار" في المرحلة اللاحقة الى دعم الحزب في استحقاقات سلطوية داخليّة عدة.

وفي حال، بقيت أمور معارضي فرنجية على هذه الحالة "العقيمة"، فإنّ حظوظ فرنجية سوف ترتفع أكثر، إذ إنّ "الإنهيار في قلب الإنهيار" ينتظر اللبنانيّين على مفرق انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في الثاني من تموز ( يوليو) المقبل.

وهذه المرحلة الجديدة من مسلسل الإنهيار المستمر، منذ خريف العام 2019 سوف تستغل، سابقًا ولاحقًا، للتحريض على القوى التي تعطّل الإستحقاق الرئاسي وتحميلها مسؤوليّة تعميق مآسي اللبنانيّين.

وتبلغ الرئاسة الفرنسيّة من يعنيهم الأمر بأنّها، في حال صدّت القوى اللبنانية المعارضة لسليمان فرنجية الفرص المتاحة لإعادة تكوين السلطة، فهي سوف تُنفص يدها من الملف اللبناني وتاليًا لن يعود هناك أيّ طرف خارجي يبدي أيّ اهتمام بلبنان.

بالنسبة لفرنسا، فإنّ المجتمع الدولي بما فيه الدول العربية، لولا إصرارها، لا يأبه بمصير لبنان، فالمحور الذي تقوده إيران مطمئن الى سيطرته عليه، والطرف الآخر كان، ومنذ سنوات، قد سلّم بخسارته للبنان.

وهذا يعني أنّه قبل حلول الصيف سيكون لبنان على موعد إمّا مع رئيس "تسووي" لا يظن كثير من اللبنانيّين بأنّه يملك مؤهلات الإنقاذ، فيما تعتقد فرنسا بأنّه، على الأقل، يملك، بما قدّمه من ضمانات، قدرات الحد من الإنهيار، أو مع تفاقم الشغور الذي من شأنه أن يهوي بلبنان الى درك جديد في جهنّم!