في كل مرة يتوجه فيها رواد الفضاء الخليجيون إلى محطات الفضائية الدولية للقيام بمهام وتجارب علمية تتعرض دول مجلس التعاون لحملات تتعلق إما بجدوى هذه المهمات، أو لكونها شكلية بسبب اعتمادها على التقنيات الأجنبية! ولا تخلو هذه التعليقات بوسائل التواصل الاجتماعي من التقليل من أهمية هذا التوجه الخليجي المتزامن مع توجهات عالمية تتعلق بقضايا اقتصادية وعلمية وبيئية ذات أهمية كبيرة لمستقبل البشرية.

ولنتطرق لبعض الانتقادات التي توجه في هذا الصدد، والتي تنم عن عدم معرفة بأهمية علوم الفضاء، بما فيها الأهمية الاقتصادية، يشير أحد المعلقين إلى التكلفة العالية لهذه المهمات، وكأن دول مجلس التعاون الخليجي تتحمل وحدها هذه التكاليف، علماً بأن الدول الأخرى تتحمل تكاليف مضاعفة بسبب تنوع واستمرار أنشطتها الفضائية، وأن كل من الإمارات والسعودية تتحمل التكاليف الخاصة بمتطلباتها فقط، إذ لا يمكن القيام بمهمات فضائية مجاناً، وإذا قرر أي شخص السفر بالطائرة على سبيل المثال، فإن عليه دفع ثمن التذكرة، هكذا بكل بساطة!

وفيما يتعلق بتكاليف المهمات الفضائية، فإنها تعتبر باهظة لكافة الدول، فهناك تكاليف تصنيع الصواريخ والمركبات وبدلات رواد الفضاء والأغذية الخاصة ووسائل النوم..الخ حيث تعتبر جميعها ذات قيم عالية، إذ أعلن مؤخراً على سبيل المثال عن تكلفة الرحلات الفضائية السياحية للشخص الواحد، والتي تبلغ 55 مليون دولار لمدة 8 أيام فقط، وقد تم بالفعل حجز بعض هذه الرحلات السياحية من قبل المقتدرين.

وفي حالة المهمات الفضائية الخليجية من قبل السعودية والإمارات، فان الأمر لا يتعلق بالسياحة، وإنما بالقيام بتجارب علمية وبيئية ذات آفاق مستقبلية، حيث يتضح ذلك من خلال الاختيار الدقيق لرواد الفضاء الخليجيين، كخبراء الطيران وأطباء ومهندسين وعلماء في مجال الأحياء والكيمياء والبيئة الذين تم تكليفهم بالقيام بتجارب علمية تتعلق بمجالات تخصصاتهم، وهو ما سيساهم في رفد العلوم بالعديد من المجالات بنتائج التجارب التي يقومون بها بالتعاون مع زملائهم من الجنسيات الأخرى، ويؤدي إلى تأهيل علماء وكفاءات خليجية في مجال علوم الفضاء.

ويأتي ذلك ضمن برنامج لدى بعض دول المجلس لزيادة نسبة البحث العلمي من الناتج المحلي الإجمالي، وبالأخص تلك المتعلقة بدول المجلس والتي ربما لا تشكل أولوية لدى الدول الأخرى، كالتصحر وندرة موارد المياه والاستمطار الاصطناعي وبعض الامراض المستوطنة في المنطقة.

وتكمن بعض الانتقادات في كون اعتماد هذه المهمات الخليجية على الصواريخ ومركبات الفضاء للدول الأخرى! ويتناقض ذلك مع الملاحظات السابقة الخاصة بالتكاليف، فاقتصادات الفضاء، حالها حال الاقتصاد بشكل عام، فالكثير من الدول الآن تفضل استيراد بعض السلع بدلاً من تصنيعها، وذلك لأسباب تجارية، إذ لماذا تبدأ من الصفر بتصنيع سلع بأسعار عالية، في الوقت الذي يمكن استيرادها بأسعار أقل؟ وهو الأسلوب المتبع الآن في ظل العولمة والأسواق المفتوحة، وهو ما ينطبق أيضاً على اقتصادات الفضاء، فالولايات المتحدة تبعث بروادها بصواريخ روسية في بعض الأحيان، كما أنها تستخدم محطة الفضاء الروسية، والتي اكتسبت طابعاً دولياً، في الوقت الذي تستخدم روسيا بعض التقنيات الأميركية الخاصة بعلوم الفضاء، وهو ما ينطبق على الصين أيضاً، أي أن هناك تعاوناً دولياً في هذا المجال تشكل مسألة التكاليف جزء أساسياً منه، حيث انضمت الإمارات والسعودية لهذا التعاون الدولي مستفيدتين منه على أكثر من صعيد، أي أن الأمر يحمل طابعاً تجارياً واستثمارياً ستكون له مردودات اقتصادية مهمة.

وبالتالي، فإن مجمل هذه الانتقادات تعبر، إما عن جهل باقتصادات الفضاء المستقبلية والتجارب العلمية والبيئية واكتساب الخبرات وإعداد وتأهيل الكوادر الخليجية، أو أنها تعبر عن حالة عجز لعدم القدرة على اللحاق بهذا التوجه والتقدم العلمي الذي يتحقق، وفي كلا الحالتين لا يمكن لهؤلاء استيعاب هذه التحولات وأهمية مشاركة الدول الخليجية فيها، حيث قررت دول المجلس مغادرة مقاعد المتفرجين والانضمام إلى ركب التقدم العلمي والتقني العالمي والاستثمار وزيادة مساهمتها فيه، وهو توجه ينم عن فهم صحيح للتغيرات القادمة وأهميتها للبشرية بشكل عام.
*خبير ومستشار اقتصادي