أعطت زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لدولة الإمارات العربية المتحدة زخماً إيجابياً لتعزيز العلاقات الثنائية الراسخة بين البلدين. فخلال فترة قصيرة منذ تولي مودي السلطة قبل تسع سنوات، شهدت العلاقات بين البلدين نمواً غير مسبوق.
ويتجلى هذا بشكل خاص في التبادلات الاقتصادية القوية، سواء في التجارة أو الاستثمار، أو العلاقات بين الشعوب، أو التقارب في وجهات النظر إزاء مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية. بعد مباحثات بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، اتفق الجانبان على بدء تسوية التجارة بالعملات الوطنية للبلدين، في خطوة من شأنها أن تسهم بشكل أكبر في تعزيز العلاقات التجارية. وفي هذا الإطار، وقَّع بنك الاحتياطي الهندي ومصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي اتفاقيتين لإنشاء إطار للمعاملات عبر الحدود بالعملات المحلية والربط بين أنظمة الدفع والرسائل. ولا تهدف آلية التجارة بالعملات المحلية إلى تعميق العلاقات التجارية القوية بين البلدين فحسب، وإنما أيضاً إلى إظهار الثقة المتبادلة بين البلدين، ناهيك عن العلاقات التجارية القوية.
وجاءت زيارةُ مودي في وقت كانت فيه الشراكة بين الهند والإمارات مزدهرة. وكانت زيارته فرصةً لإلقاء نظرة على سبل تعميق التعاون في مجموعة متنوعة من المجالات تشمل الطاقة والتعليم والتكنولوجيا المالية والرعاية الصحية والأمن الغذائي والدفاع والثقافة. وكان البلدان قد وقَّعا العام الماضي اتفاقيةَ الشراكة الاقتصادية الشاملة، والتي أدت بالفعل إلى زيادة بنسبة 20% في التجارة بين الهند والإمارات، ما يجعل الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند. علاوة على ذلك، فإن الإمارات هي أيضاً ثاني أكبر وجهة تصدير للهند. ومع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الكبيرة، تعد الإمارات رابع أكبر مستثمر إجمالي في الهند.
ومن المأمول أن تتجاوز التجارة الثنائية بين البلدين قريباً 100 مليار دولار مقابل 85 مليار دولار في الوقت الحالي. ومنذ تنفيذ الاتفاقية الشاملة بين البلدين في العام الماضي، سعت الهندُ والإمارات بشكل تدريجي إلى تسريع عملية تفعيلها من خلال تعزيز المشاركة في المنتديات الثنائية، بما في ذلك فريق العمل المشترك رفيع المستوى المعني بالاستثمارات، حيث أشار كلا البلدين إلى نيتهما في إنشاء نظام الشباك الواحد الفعال والمتكامل لتقديم المعلومات، وممرات تجارة افتراضية لتقليل التكاليف والوقت للتجارة الثنائية. بالإضافة إلى ذلك، فإن دعم الهند في إنشاء «آلية المسار السريع» سيضمن تقديم حلول سريعة للمشكلات التي تواجهها الشركات الإماراتية التي تتخذ من الهند مقراً لها. وبالنسبة للهند، تزداد أهمية العلاقات مع دولة الإمارات التي تطلع أيضاً بدور قيادي في العالم العربي في ظل قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد. وكما أنه بالنسبة للإمارات أيضاً أصبحت العلاقات مع الهند أكثر تركيزاً، حيث تقوم نيودلهي بدور قيادي في الشؤون الآسيوية والعالمية. ومن ثم، فإن تعميق العلاقات يخدم المصلحةَ المشتركة للبلدين. وعلاوة على ذلك، فإن الهند والإمارات عضوان في تجمع «آي 2 يو 2» (I2U2) إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة، والذي عقد أول اجتماع له على مستوى القمة في يوليو من العام الماضي، وهو اعتراف واضح بأهمية الإمارات في المنطقة. ويركز هذا التجمع على الاقتصاد باعتباره منصةً مهمةً لبناء تعاون أفضل بين الدول من خلال مناقشة واستخدام الابتكارات والأفكار. كما يبحث البلدان التعاونَ في مجال تغير المناخ، نظراً لأن هناك حاجة ملحة لأن تقوم الدول المتقدمة بالوفاء بخطة تقديم 100 مليار دولار للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها.
وبحسب البيان المشترك، فقد أقرَّ الزعماء بأهمية العمل المشترك بشأن قضايا تغير المناخ، لا سيما خلال رئاسة الهند لمجموعة العشرين ورئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين «كوب 28». كما يعمل البلدان على تعزيز العلاقات في مجال التعليم، حيث يوجد في دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم حرم جامعي يضم عدداً من فروع الجامعات المرموقة من فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
ومن هنا وقّع البلدان مذكرةَ تفاهم لإنشاء حرم جامعي مرموق «للمعهد الهندي للتكنولوجيا» في أبوظبي. وبالنسبة للهند، تعد الإمارات شريكاً مثالياً لتوسيع العلاقات الثنائية، وإيجاد تقارب في المنتديات متعددة الأطراف، والسعي للحصول على دعمها في القضايا الإقليمية المهمة. ومن جانبها، تقدّر الإماراتُ شراكتَها مع الهند، وتدرك بوعي نمو الهند والدور الذي يمكن أن تلعبه في المنطقة والعالَم بأسره.
وقد بذل البلدان جهداً غير مألوف لجعل هذه الشراكة خاصةً واستراتيجية. كما تبرز مجالات الدفاع والأمن ببطء كدعامة مهمة أخرى للمشاركة. وكجزء من «شراكة استراتيجية شاملة»، يجري بين الجانبين حوار أمني منتظم على مستوى مجالس الأمن القومي، ويعملان بشكل وثيق في القضايا الأمنية، مثل مكافحة الإرهاب والأمن البحري والأمن السيبراني. هذه الشراكة الخاصة والمميزة من المقرر أن تزدهر وتنمو بشكل أقوى في السنوات المقبلة.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي
- آخر تحديث :
التعليقات