شكل الانفتاح العربي السريع على دمشق، قبيل القمة العربية الأخيرة في جدة، مناسبة لطرح سؤال عما إذا كانت لهذا الانفتاح عوائد أو مكاسب جدية وملموسة على الوضع العربي. وللتذكير فإن الانفتاح على دمشق لم يكن جديداً، بل سبقته خطوات عدة من عدد من الدول العربية، من دون أن يأخذ الانفتاح المشار إليه طابع الإجماع العربي الذي شهدناه في قمة جدة.

طبعاً كان لقرار المملكة العربية السعودية، صاحبة الدعوة إلى القمة العربية، تأثير كبير على عدد من الدول، لا سيما أن الانفتاح، ثم العودة السورية إلى الجامعة، حصلا بعد مداولات إقليمية قادتها الرياض في جدة، ثم في العاصمة الأردنية عمان، أدت إلى طرح الموضوع في إطار سياسة دافع عنها الأردن سُميت بسياسة الخطوة مقابل الخطوة. أي أن الانفتاح يجب أن يكون متدرجاً، ومقابل كل خطوة من دمشق ثمة خطوة من الجانب العربي.

ويذكر المراقبون أن الخطوات هذه تناولت البعد السياسي للأزمة السورية التي لا تزال قائمة من دون حل، وتحتاج إلى حل شامل. وتناولت أيضاً مسألة اللجوء السوري الذي يؤثر سلباً على دول الجوار. وأيضاً قضية تهريب المخدرات (الكابتاغون) من سوريا حيث يجري تصنيعها بحماية ميليشيات إيرانية وبعض الجهات العسكرية السورية، وتهريبها إلى دول الجوار العربي، وصولاً إلى دول الخليج.

لم تخلُ محاولات الترغيب بالانفتاح على دمشق ولا تزال نوعاً من الإشارة إلى أنه كلما زاد الانفتاح العربي على النظام السوري، تراجع النفوذ الإيراني إلى الخلف. بمعنى أنه حتى لو كان للإيرانيين نفوذ في سوريا، فإن دخول العرب على الساحة السورية عبر السلطات السورية من شأنه أن يحرم طهران من التفرد بسوريا.

بناءً على ما تقدم، تجدر الإشارة إلى أن الانفتاح العربي المشروط على دمشق التي جرى الحديث عنه قبل شهرين، قد تراجع إلى حد بعيد، وخصوصاً أن النظام أصر ويصر على أن يسبق الحل السياسي الشامل للأزمة السورية، وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، قيام الدول العربية بتمويل "شامل" للحل السياسي، ولإعادة الإعمار وإعادة النازحين واللاجئين.

بمعنى آخر، إن النظام السوري يربط بين حل الأزمة، وإعادة اللاجئين والنازحين، وبين التمويل العربي الواسع الذي قد يتعدى عشرات المليارات من الدولارات. حتى معالجة قضية تهريب المخدرات يقال إن السلطات السورية تقول إنها عاجزة عن التصدي لها، وإنها تحتاج إلى تمويل لرفع قدراتها العملانية للسيطرة على مناطق واسعة خارج العاصمة دمشق.

في المقابل، لم تظهر لغاية اليوم أي ملامح لتراجع في النفوذ الإيراني على الأرض، أو لتقليص تمدده العسكري والميليشياوي من قلب العاصمة، وصولاً إلى حلب وجوارها، وانتهاءً بالحدود مع العراق شرقاً، ومع الجولان والأردن جنوباً. واللافت هنا أن الرئيس السوري لم يبد أي استعداد معلن وصريح لتكبير المسافة بينه وبين الإيرانيين داخل سوريا.

صحيح أنه اقترب أكثر من الروس بعد حادثة التمرد الذي قام به مرتزقة شركة "فاغنر" قبل بضعة أسابيع، وجرى تنظيم مناورات عسكرية بين الجيش السوري والوحدات الروسية المرابطة في سوريا، لكن هذا الأمر بقي ذا أثر محدود على الأرض.

في مكان آخر، يمكن القول إن "الفيتو" الغربي، وفي مقدمه الولايات المتحدة، على نظام بشار الأسد فعل فعله في حصر إبعاد الانفتاح على الأسد ضمن أطر محدودة بسبب نظام العقوبات الواسع الذي يعانيه الأسد ومحيطه. لكن من الواضح للعديد من المراقبين أن الملف السوري لا يزال معلقاً، وأن الحرب لم تنته، وأن الأزمة السياسية حاضرة، والأسد يسعى من خلال الانفتاح العربي إلى تمويل عربي لنظامه. لكن في المقابل، هو لم يثبت لمرة واحدة أنه قادر حتى لو أراد أن يبتعد من النفوذ الإيراني ولو بحدود.

لذلك يقيننا أن من الانفتاح العربي لم يتحقق الشيء الكثير في ظل عجز الأسد عن تقديم شيء معتبر على طاولة العلاقات مع العالم العربي. والخلاصة كل شيء معلق!