كان من المفروض أن يكون مقال اليوم متابعةً لمقال الاسبوع الماضي عن إيران، إلا أن الحدث وأهميته يفرض نفسه فيما يتعلق بالتطورات المهمة للعلاقات بين البحرين والولايات المتحدة بعد توقيع صاحب السمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء اتفاقًا دفاعيًا أمنيًا واقتصاديًا غير مسبوق مع أي دولة عربية، مما يؤكد بأن العلاقات الامريكية البحرينية تسير في طريقها الصحيح كما كانت منذ عقود طويلة ونموذجًا لعلاقات الصداقة التاريخية المستمرة بوجود الاسطول الخامس واهمية وجوده في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة الممتدة من الخليج العربي إلى بحر العرب والمحيط الهندي وما بعده في أعالي البحار.

فما هي أهمية هذا الاتفاق؟ ولماذا تم التوقيع عليه؟

أولاً الاتفاق الأمني والاقتصادي الجديد الموقع في 13 سبتمبر الحالي اتفاقًا غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين والمنطقة الخليجية والعربية، إذ يؤكد «بأنه في حالة وقوع عدوان خارجي أو التهديد بعدوان خارجي ضد أحد الأطراف يجب على الاطراف تبعاً، لدساتيرها وقوانينها، ان تجتمع فورًا على أعلى المستويات لتحديد الاحتياجات الدفاعية الاضافية وتطوير وتنفيذ الدفاع والردع المناسبين». وهذه المادة من الاتفاق تؤكد بان الولايات المتحدة اتخذت مسارًا استراتيجيًا وأمنيًا جديدًا في علاقاتها بالبحرين يقوم على اساس «الالتزام» بحماية الامن والاستقرار أمام التهديدات والمخاطر التي قد تتعرّض لها البحرين في منطقة تموج بالتوترات والتهديدات وتشكل تحديًا للامن الوطني البحريني ومصالح الولايات المتحدة، وهي بهذه الاتفاقية ارتفعت بدرجة دورها واستعدادها في المنطقة، فبعد ان كانت البحرين تستضيف الاسطول الخامس الى اتفاق يفرض عليها التفاهم مع حليفتها البحرين لردع العدوان والتعامل معه بالطرق المناسبة التي يتفق عليها الطرفين، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي في يوليو 2015 الذي اعتبرته إيران تعزيزًا لنفوذها وتمددها الإقليمي في المنطقة، الأمر الذي شجعها إلى مزيد من التدخل في الشؤون الداخلية للبحرين بشكل «ممنهج» وغير مقبول.

لذلك فأنا أعتقد أن المادة التي ذكرتها أعلاه تشكل إنجازًا مهمًا حقّقه الفريق التفاوضي البحريني مكّن البحرين من الحصول على الدعم والردع الدفاعي من الولايات المتحدة ضد أي اعتداء خارجي. وهذا أمر لم يسبق لأية دولة عربية ان حصلت عليه من الولايات المتحدة وإن لم يصل الى ماتنص عليه المادة الخامسة في ميثاق حلف شمال الاطلسى (الناتو). بأن الاعتداء على دولة عضو في الحلف يعتبر اعتداءً على جميع الدول الاعضاء.

الأمر الثاني، ما يتعلق بإيران خاصة مشروعها الذي يثير المخاوف بتصدير مبادئ ثورة الخميني وشعارات المظلومية وحماية المستضعفين في الأرض. لذلك فإن الاتفاق الامني والاقتصادي الشامل بين البحرين والولايات المتحدة يعزز الثقة في عودة الاهتمام الاستراتيجي الأمني الامريكي بأمن المنطقة وتعزيز التكامل الامني الاقليمي الاوسع خاصة بعد توقيع عدد من اتفاقيات السلام بين دول المنطقة وإسرائيل، الذي من المرتقب توقيع اتفاق مماثل مع إحدى دول المنطقة، مما يؤكد إعادة ترتيبات اوراق المنطقة بما يتفق والمصالح الامريكية وزيادة اهمية منطقة الخليج العربي الاقتصادية للعالم الحر، خاصة بعد تنفيذ المشروع الذي يتحدثون عنه حول إنشاء الممر التجاري من الهند عبر منطقة الخليج والشرق الأوسط إلى الاتحاد الأوروبي، ليكون إضافة تزيد من أهمية منطقة الخليج الاستراتيجية كونها تعتبر أكبر مصدر للنفط والغاز إلى العالم الحر عبر ممرات الملاحة الدولية وأعالي البحار ويهم الولايات المتحدة أن تبقى آمنه ومستقرة.

إلا أن التوقيع على الاتفاق الأمني والاقتصادي بين البحرين والولايات المتحدة يوضّح أمرين مهمين كذلك:

1- إعادة الولايات المتحدة النظر في سياستها واستراتيجيتها الأمنية السابقة بالتوجّه شرقًا نحو الصين، واقتناعها بأهمية واستمرار وجودها ونشاطها للردع الدفاعي للتهديدات القائمة في منطقة الخليج العربي التي تشكّل من ناحية أخرى تهديدًا قويًا لمصالحها الاستراتيجية.

2- دمج الاتفاق الأمني البحريني الأمريكي بالنشاط الاقتصادي مع وجود اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين والأسطول الخامس الذي يتخذ من البحرين مقرًّا له، يؤكد بأن المنطقة تمر بمرحلة جديدة أو ترتيبات جديدة من التفاهمات، ويوضح إدراك الولايات المتحدة بأهمية دورها الأمني في المنطقة لحماية مصالحها، كما يعتبر إنجازًا بحرينيًا ونجاحًا غير مسبوق للبحرين في تاريخ علاقاتها الثنائية والشراكة الدفاعية بالولايات المتحدة التي تمتد لعدة عقود من الزمن ومكّنها من إقناع أكبر قوة في العالم باستمرار وجودها في المنطقة في إطار جديد «ملزم» بحماية أمن البحرين من التهديدات الخارجية. وهذا ينصب في نهاية المطاف بحماية مصالح الولايات المتحدة والأمن والسلم الدوليين.

لقد كانت للزيارة الرسمية التي قام بها صاحب السمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء إلى واشنطن والتوقيع على الاتفاق التاريخي بين البلدين يؤكد أن البحرين ركيزة مهمة للأمن في الخليج العربي، كما يؤكد الأهمية الاستراتيجية للبحرين ودورها في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة بالتعاون والتنسيق مع الشريك التاريخي. وقد ترجمت كلمة سموه أثناء حفل التوقيع على الاتفاق ذلك حيث قال: «الاتفاقية تمثل إعلانًا مشتركًا يعبّر بشكل واضح عن نيّتنا في المضي قُدمًا معًا نحو مستقبل يرتكز على قيمنا المشتركة ويسهم في تعزيز التعاون من أجل الازدهار المنشود للأجيال القادمة»، مضيفًا سموه أن الاتفاقية الثنائية «تمثل أساسًا ومنطلقًا للتعاون الدولي وفق المصالح المتبادلة للدول والرؤى المشتركة فيما يتعلق بالدبلوماسية، والأمن، والاندماج الاقتصادي.

ويبدو جليًا أن الفريق البحرينى بقيادة الفريق الركن سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة مستشار الأمن الوطني الأمين العام لمجلس الدفاع الاعلى قائد الحرس الملكي، بذل جهودًا كبيرة من أجل التوصل إلى تلك النتائج المهمة في الاتفاقية، والتي أدّت في نهاية المطاف إلى الاتفاق مع الجانب الأمريكي بالتوقيع عليها بما يحقق التشابك في المصالح الأمنية والاقتصادية ويعزّز من فرص الاستثمار بين البلدين ويعمّق من المسؤوليات المشتركة والالتزام في مواجهة التحديات والتهديدات والتعاون في مجالات الأمن الاستخباراتي والأمن السيبراني وغيرها من مجالات التعاون الصحية والبيئة والتعليم وغيرها.

أما وزير الخارجية الأمريكي بلنكن فقد أكّدت تصريحاته بأن الاتفاقية الشاملة للتكامل الأمني والازدهار بين مملكة البحرين والولايات المتحدة تعمل على تعميق التعاون الثنائي «بثلاث طرق مهمة للغاية». موضحًا بأن «الطريقة الأولى هي توسع التعاون الأمني والدفاعي، حيث تستضيف مملكة البحرين الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، مضيفًا بأننا نقفُ جنبًا إلى جنب في تأمين ممرات الشحن الحيوية التي تدعم الاقتصاد العالمي بأكمله، كما ستعزز هذه الاتفاقية التنسيق بين قواتنا المسلحة والأمنية».

أما الطريقة الثانية فإن «الاتفاقية الشاملة تعزز العلاقات الاقتصادية بين البلدين في التجارة والاستثمار وتحديد فرص استثمارية جديدة للقطاع الخاص». كما أشار إلى أن الطريقة الثالثة فهي أن الاتفاقية ستعمل على تعزيز التعاون العلمي والتقني من خلال زيادة

تبادل المعلومات بين البلدين والشعبين».

هكذا تُبنى العلاقات بين الدول على اسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والالتزام لتحقيق أعلى درجات التكامل والأمن والاستقرار التي تساعد على بناء مجتمعات مزدهرة وشعوب مستقرّة تعمل من أجل الاجيال القادمة.